لا يعلم غالبية منتجي «هوليود» الذين ما فتئوا يصوّرون أهالي شبه الجزيرة العربية على هيئة ملتحين شُعث غبر، يرتدون حلة شبه بيضاء قصيرة ويغطون رؤوسهم بقطعة قماش كانت حمراء!، لا يعلمون أن نزراً لا يستهان به من سكان مدينة جدة (غرب السعودية) عمدوا إلى الاستعانة بأقمشة «الجينز» الأميركية لحياكة ثيابهم!. ولم يدر بخلد سكان شبه الجزيرة العربية القدماء أن أحفادهم سيلقون بموروثاتهم المتعلقة بالزي عرض الحائط. ولم يتوقع غالبيتهم أن الجداويين سيودعون اللونين الأبيض والأسود إلى غير رجعة، خصوصاً بعد أن تخلوا عن لون الثوب الأبيض والعباءة السوداء واستبدلوا بها جملة من الألوان الأخرى. ويمكن القول إن لبس الثوب و«الشماغ» الملونين بات سمة دارجة لدى الذكور، بينما استحالت عباءات النساء مزركشة!. وفيما انقرضت (أو تكاد) العمامة و«الغبانة» و«البكشة» و«السديري» وتلاشى كثيراً الثوب الأبيض و«الشماغ» الأحمر، عزا شبان كثر من قاطني المناطق الغربية المتاخمة لضفاف شاطئ البحر الأحمر صنيعتهم إلى رغبتهم في الحصول على «ستايل» خاص بهم في الملبس، وهو ما ذهبت إليه «فتيات جدة» أيضاً اللائي أضفن ألواناً زاهية عدة على عباءاتهن وفقاً للذريعة ذاتها. وعن هذا المسلك الجديد، يقول أحد هواة تغيير الملبس إبراهيم طلال (27 عاماً) إن ارتداء الثياب الملونة مع الشماغ يعكس رغبة كثير من الشبان في التغيير، خصوصاً هواة مواكبة العصر والتميز. «إضافة إلى أنه نوع من التعبير عن الشخصية والروح الشبابية الساعية إلى الخروج عن نمط الثياب التقليدية والابتعاد عن الرتابة التي ما فتئت تواكب الملبس والمظهر». ويرى أن التغيير ليس سهلاً البتة، «إذ تكتنف الباحث عن التميز في الملبس صعوبات عدة تبدأ بمشقة تطاوله إبان بحثه عن الأقمشة المناسبة لذوقه الذي يختلف لا محالة عن أذواق أقرانه، فيعمد قسراً إلى التنقيب بين خامات القماش ذات الألوان المختلفة بغية أن يجد ما يتناسب مع خياله». ويلفت إلى دروج أنواع عدة من الثياب محاكة من أقمشة «الجينز» الأميركي، والقطن، والجلد وغيرها من الخامات المستحدثة التي تضفي التغيير على ملامح الزي بشكل جليّ. وفي جولة سريعة على محال بيع الملابس الرجالية في الأسواق السعودية، يظهر للجائل مسايرة كبريات الشركات لتيار الرغبة الشبابية في التغيير، وذلك من طريق طرحها منتجات مخالفة لما درج عليه الأسلاف، فباتت «الأشمغة» و«الغتر» ذات ألوان مختلفة، بعد أن اقتصرت خلال حقبات زمنية ماضية على اللونين الأحمر والأبيض. وتلعب سالي أمين (19 عاماً) على أوتار موجة الانفتاح والتطور التي طاولت المجتمع السعودي أخيراً، لتؤكد أن موضة العباءات النسائية الملونة والمزركشة لا تعدو كونها وليدة لتلك الموجة!. وفيما تصرّ على مواكبة تيار التغيير من طريق تعدد ألوان عباءاتها، لا تخفي احتمال عودتها إلى اللون الأسود مستقبلاً «شريطة أن تزول هذه الموضة كلياً». ولا تجد ضيراً في ارتدائها إطلاقاً، خصوصاً إن كانت تستر أجزاء جسدها كافة، وتلمح إلى أن غالبية الفتيات بتن يتسابقن على اقتناء العباءات المزركشة رغبة منهن في ملامسة سقف الحرية والتطور، «بدليل أن جلّ العباءات المعروضة في المحال النسائية ذات ألوان زاهية، وتصاميم مختلفة، لا تخلو من الزركشة في كثير من الأحيان».