قطع سعوديون مئات الكيلومترات جواً وبراً، من مناطق سعودية عدة إلى شمال البلاد، ليكونوا في استقبال «زائر الفجر» الثلج، الذي لون رمال الصحراء بالأبيض الناعم، مبدين حفاوة كبيرة، غير منزعجين من انخفاض البرودة إلى ما دون الصفر. وكان متخصصون في الطقس، وتقارير أصدرتها الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، توقعوا تأثر الحدود الشمالية السعودية في منخفض جوي وموجة باردة مصحوبة بتساقط الثلوج، للعام الثالث على التوالي. واختارت حبات الثلج أن تلامس أراضي الشمال وتستقر على رمال هجر وقرى قريبة من عرعر، وحزم الجلاميد، ومحافظة طريف، التي تحولت في ظرف أيام قليلة إلى مناطق منتعشة سياحياً بهواة الثلوج. ومن ضمن المسافرين إلى الثلج مجموعات من المصورين الفوتوغرافيين الذين وثقّت عدساتهم بياض الثلج على رمال الصحارى، وتساقطه على ظهور على الأنعام، وعلى الخيام، ومنهم المصور راشد البغيق. وتزينت الحسابات السعودية في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بالصور البيضاء ومقاطع الفيديو القصيرة التي ترصد مظاهر فرح السعوديين بالثلوج، وأدى أفراداً، يبدو أنهم من قبيلة عنزة التي تسكن الشمال، رقصة «الدحة» الشعبية، فيما تراشق آخرون بكرات الثلج. ولأن الطرافة تسجل حضورها في يوميات السعوديين، عنونت بعض الصور ب«صور للمبتعثين في عرعر»، في إشارة إلى أن مثل هذه الصور البيضاء بالثلج يتداولها المبتعثون إلى دول أوروبية وأميركا، وحين يسقط الثلج على عرعر فأنها ستكون من بلدان الابتعاث. وبث أحدهم مقطعاً مصوراً والثلج يحيط به، وهو يتحدث باللغة الإنكليزية، في إيحاء للمشاهد أنه في «دولة أوروبية». وتعرف السعوديون إلى «ثقافة الثلج» قبل ثلاثة أعوام، منذ تساقطه على شمال البلاد، ومن ذلك الوقت بدء الاستمتاع بتشكيل رجل الثلج، وإلباسه شعارات الفرق الرياضية التي يشجعونها، فمرة هو هلالي وأخرى نصراوي، وربما اتحادي أو عروبي. وسكب له آخرون القهوة العربية، وآخرون وضعوه إلى جانب ناقته الثلجية أيضاً. وتناقل أصدقاء «رجل الثلج» فتوى حرمت صنعه، صدرت عن موقع «الإسلام سؤال وجواب» الذي يشرف عليه محمد المنجد، وهو سوري مقيم في السعودية، سأله أحد المستفسرين: «هل يجوز صنع تمثال من الثلج؟»، فجاء الجواب: «إذا كان تمثال الثلج مشتملاً على تفاصيل الوجه، فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى تحريمه، لعموم النهي الوارد عن صناعة التماثيل». ولكن المنجد تراجع عن فتوى تحريم صناعة رجل الثلج لاحقاً، مشترطاً «أن لا يتضمن معالم واضحة للوجه من عين وأنف وفم، وإنما هو مجرد مجسَّم لا معالم فيه. فهذا كله لا بأس به. وكذلك لا حرج فيما يصنعه الأطفال للَّعب به؛ لأنه من قبيل الممتهن، ومعلوم حاجة الأطفال النفسية للعب وإدخال السرور على نفوسهم والابتهاج، خصوصاً في الأماكن التي لا ينزل فيها الثلج إلا نادراً». وفي الوقت الذي توقع في المرصد الأوروبي أوائل كانون الأول (ديسمبر) الجاري، أن تشهد المناطق الواقعة شمال الرياض والصمان والقصيم وشرقها، تساقط الثلوج، بادر بعض المصممين إلى نشر صور افتراضية تظهر معالم الرياض مثل برجي «المملكة» و«الفيصلية»، مغطاة بالثلوج. وعوضاً عن برجيّ الرياض التي لم تصلها الثلوج بعد، انتشرت صورة حقيقة لقطار الشركة السعودية للخطوط الحديد (سار)، وهو مغطى بالثلج، ماراً في منطقة الحدود الشمالية في رحلته اليومية. وكانت مديرية الدفاع المدني في منطقة الحدود الشمالية شددت على ضرورة اتباع إرشادات السلامة، والابتعاد عن الأماكن الخطرة والمنزلقات، مؤكدة جاهزيتها واستعداد مراكز القيادة والسيطرة وغرف العمليات لاستقبال جميع البلاغات التي تردها لمباشرة أي حوادث.