توزع نشاط الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في اليوم الثاني لزيارته لبنان أمس، بين بيروت حيث أجرى محادثات مع رؤساء الجمهورية ميشال سليمان والبرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري الذي عقد معه خلوة لنصف ساعة، وبين الجنوب حيث كرر من مدينة بنت جبيل، على بعد حوالى 4 كيلومترات عن الحدود مع اسرائيل، ووسط الحشود التي هتفت له، أن «الصهيونية الى زوال... وليس أمام الصهاينة المحتلين إلا الاستسلام للأمر الواقع». وجدد دعمه المقاومة في وجهها، مؤكداً أن «لا قوة في العالم تستطيع أن تقهر» هذه المقاومة. ووسّع نجاد لقاءاته في بيروت قبل أن ينتقل الى الجنوب بعد الظهر. فاجتمع صباحاً في مقر إقامته في فندق «فينيسيا»، مع شخصيات سياسية لبنانية عدة وقادة الأحزاب اللبنانية، ثم التقى المراجع الدينية الممثلة لكل الطوائف الموجودة في لبنان. وكرر في اللقاءين دعم إيران وحدة اللبنانيين في مواجهة الفتنة، متهماً أميركا بتدبيرها «لأنها انهزمت في المنطقة». وشدد على أن إيران «ستبقى معكم الى الأبد». وتسلّم نجاد دكتواره فخرية في العلوم السياسية من الجامعة اللبنانية وأبدى استعاد بلاده لإنشاء محطة للطاقة الكهربائية في لبنان تستفيد من الوقود الذري، ثم زار السراي الكبيرة حيث اختلى بالحريري نصف ساعة قبل أن ينضم إليهما سليمان وبري. وبينما صرح السفير الإيراني في بيروت غضنفر ركن أبادي إثر اجتماع نجاد مع الحريري، بأن المحكمة (الدولية الخاصة بلبنان والتي هي موضوع الخلاف الأساس بين اللبنانيين) هي شأن لبناني، وأوضح رداً على سؤال عما إذا تطرقت المحادثات إليها، أن «البحث تناول المحكمة وغيرها من المواضيع»، قالت مصادر رسمية اطلعت على محادثات نجاد والحريري ل «الحياة»، إنه لم يتم ذكر المحكمة لكن ما جرى التطرق إليه على لسان الرئيس الإيراني هو الخلافات القائمة بين اللبنانيين والمخاوف من الفتنة من دون ذكر المحكمة بالاسم، إذ شدد نجاد مراراً على تشجيعه على الحوار بين الأطراف المختلفين. وخاطب الرئيس الإيراني الحريري قائلاً: «نحن متأكدون من أنكم إذا جلستم مع بعضكم بعضاً ستتفقون وتتوصلون الى الحلول المطلوبة. ونحن نشجع الجميع على ذلك في كل لقاءاتنا». وتابعت المصادر: «لم يتم التطرق الى ماهية الخلافات ولم يتم تحديدها خلال حديث الرئيس نجاد». وقالت المصادر ل «الحياة»، إن الحريري أكد للرئيس الإيراني «أننا نعتمد دائماً على الحوار ونشدد عليه من جهتنا لأننا ندرك أنه السبيل الوحيد لمواجهة أي فتنة وأنا لا أتوقف عن الدعوة إليه في مواقفي. وأنتم تستطيعون أن تساعدوا في هذا المجال بدعوة سائر الفرقاء الى تغليب لغة الحوار للخروج من الخلافات والتوتر في البلد». وذكرت المصادر أن الحريري عاد فأكد لنجاد أن هذا ما يردده في مواقفه مع الذين التقاهم وأنه يشجع على التلاقي والوحدة. وشددت المصادر على أن الرئيس نجاد لم يدخل في التفاصيل عند حديثه عن الخلافات وضرورة الحوار، وكذلك فعل الرئيس الحريري، واكتفيا بالعموميات «وبالتالي لا صحة لكل التكهنات التي تحدثت عن أن نجاد يحمل مبادرة لمعالجة التأزم الحاصل حول المحكمة الدولية أو أنه يسعى الى ترتيب لقاء بين الحريري وبين الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله إذ أن الجانب الإيراني لم يطرح شيئاً من هذا القبيل». وأشارت المصادر الرسمية الى أن البحث بأوضاع المنطقة استغرق الجزء الأكبر من الخلوة بين الحريري ونجاد الذي شدد على أنه «إذا جلسنا بعضنا مع بعض نحن والدول العربية فإننا سنتمكن من الانتصار على إسرائيل التي هي الى زوال». وتميز اجتماع نجاد صباحاً مع قادة الأحزاب والشخصيات السياسية الى مائدة الفطور والذين كان أبرزهم رئيس البرلمان السابق حسين الحسيني، رئيسا الحكومة السابقان سليم الحص وعمر كرامي، زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون ورئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، بمداخلة لجنبلاط أشاد فيها باتصال نجاد بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عشية زيارته لبنان. ودعا جنبلاط الى تعاون الرياض وطهران لتطويق تداعيات القرار الظني الذي سيصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في اغتيال الرئيس رفيق الحريري «تفادياً لفتنة لا نريدها». وكرر نجاد في اللقاء مع قادة الأحزاب وبينهم رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد، دعوة الجميع الى «توحيد الموقف واعتماد الحوار»، مؤكداً وقوف إيران الى جانب جميع القوى اللبنانية «لتتصدى للفتنة الأميركية». وانتقل نجاد بعد الظهر، إثر غداء تكريمي أقامه له الحريري، الى مدينة بنت جبيل بطوافة عسكرية، ليشارك في مهرجان تكريمي حاشد له حيث ألقى خطاباً تعبوياً وسط حماسة الجماهير التي دعا «حزب الله» وحركة «أمل» الى احتشادها. وقال نجاد: «أنا أعلن من هنا أن بنت جبيل حية وباقية ومرفوعة الرأس. واستطاع أبناء بنت جبيل أن يذيقوا العدو الإسرائيلي الغاشم طعم الهزيمة النكراء... اليوم لم يعد هناك أي خيار أمام الصهاينة المحتلين إلا الاستسلام للأمر الواقع والعودة الى منازلهم وأوطانهم الأصلية». واضاف متوجها الى الحشد: «كما استطعتم ان تدخلوا اليأس والقنوط الى قلوب الصهاينة وقلوب كل المستعمرين والمستكبرين... ليعلم العالم برمته ان الصهاينة الى زوال». وإذ قوبل شكر نجاد للرئيسين سليمان وبري والسيد نصرالله بصيحات التأييد فإن صيحات الاستنكار علت حين شكر الحريري الذي أوفد ممثلاً عنه الى المهرجان. ومما قاله نجاد: «راية العدالة قادمة لا محالة ورجال الله سيأتون وحفيد الرسول الأكرم المهدي الموعود والمنتظر سيأتي بإذن الله والسيد المسيح عليه السلام سيكون رفيقاً وعوناً له». وانتقل الرئيس الإيراني والوفد المرافق من بنت جبيل الى بلدة قانا حيث قرأ نجاد الفاتحة ووضع إكليلاً على أضرحة الشهداء الذين سقطوا في القصف الإسرائيلي عامي 1996 و2006. وقدمه نائب حركة «أمل» عبدالمجيد صالح مرحباً به باسم الرئيس نبيه بري والسيد نصرالله، ثم ألقى نجاد كلمة اعتبر فيها أن المقاومة غدت «الآمال التي تعلقها عليكم شعوب المنطقة»، مؤكداً أن قانا بلدة «الصبر والتضحية والجهاد باتت اليوم وثيقة حية عن المقاومة فيما غدا شهداء قانا العزّل وثيقة حية عن روح الإجرام والجناية لدى العدو الصهيوني». وخاطب المحتشدين قائلاً:»أنتم منتصرون أما أعداء العدالة والإنسانية فهم الى زوال». وأضاف: «أتيت الى قانا لأقول لكم إن إيران بقيادتها وشعبها ستبقى الى آخر نفس الى جانبكم وإلى جانب شعوب المنطقة». ونوّه بالجيش اللبناني «الباسل الذي يتصدى كعملاق كبير ومارد مقدام للجيش الصهيوني واعتداءاته». وأشاد ب «القوى الأمنية والشرطة اللبنانية التي تحرص على تأمين الأمن والأمان للشعب اللبناني». وسأل الله أن يكتب نهاية الحزن «الذي نعيشه في إيران ولبنان على اختطاف الإمام المغيب السيد موسى الصدر وأن يتحفنا في المستقبل القريب بالخبر السار عن عودة هذه القامة اللبنانية والإسلامية الشامخة»، واعداً ب «البقاء مع الشعب اللبناني أبداً».