لقيت تصريحات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه التي أشار فيها الى إمكان الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية» ان هي اعترفت بحدود عام 1967، تنديداً واستنكاراً واسعين في الأراضي الفلسطينية، اذ اعتبرت حركة «فتح» الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية «أمراً مستحيلاً»، فيما طالبت فصائل وشخصيات فلسطينية بإقصاء عبد ربه ومحاكمته. إلا ان عبد ربه نفى ان يكون قال ذلك، وأبلغ وكالة «معا» الاخبارية المحلية ان «اسرائيل أصلاً كيان غير معروف الحدود، فكيف نقترح أن نعترف بيهوديتها (...) على أميركا واسرائيل أولاً أن تعينان حدود اسرائيل قبل أي شيء». وكان عبد ربه، وهو عضو في الوفد الفلسطيني المفاوض، دعا في تصريحات لوكالة «فرانس برس» الادارة الاميركية واسرائيل الى تقديم خريطة بحدود اسرائيل، وذلك بعدما دعت واشنطنالفلسطينيين الى تقديم عرض مضاد لاقتراح رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو تجميد الاستيطان في مقابل الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية». وقال عبد ربه: «نريد ان نعرف هل هذه الدولة تضم اراضينا وبيوتنا في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية، ام انها خريطة على حدود الاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967». وأضاف: «اذا كانت هذه الخريطة على اساس حدود 1967 مع ضمان انهاء الاحتلال الاسرائيلي لعموم الاراضي الفلسطينيةالمحتلة منذ عام 1967، فسنعترف بإسرائيل كما تسمي نفسها وفق القانون الدولي»، من دون التطرق مباشرة الى امكان الاعتراف بها دولة يهودية كما تطالب. ولفت الى ان منظمة التحرير كانت اعترفت بإسرائيل عام 1993 عشية التوقيع على اتفاق اوسلو. وتابع موجهاً حديثه لاسرائيل: «اعطونا حدود دولتكم حتى نعترف بها. وهل تضم حدودكم اراضي دولتنا الموعودة ام ستقف على حدود 1967؟». وكانت صحيفة «هآرتس» نشرت على لسان عبد ربه أمس استعداد الجانب الفلسطيني ل «الاعتراف ليس فقط بيهودية إسرائيل، بل لو أرادت أن نعترف بها دولة صينية، لكن على أساس واضح وصريح يتمثل بالانسحاب الكامل من الاراضي التي احتلت عام 1967، بما فيها القدسالشرقية». وأضاف: «لا مانع لدى الجانب الفلسطيني أيضاً من الاعتراف بيهودية دولة اسرائيل، وإنما يجب على الادارة الاميركية أن تقدم لنا خريطة واضحة بحدود دولة اسرائيل لنعترف بها. ومقابل هذا الاعتراف، يجب الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي ستقام على كامل الاراضي التي احتلت عام 1967. وفي حال كانت الحدود على أساس أراضي ال 1967 ولا تأكل كل أرضنا ومنازلنا، بما في ذلك شرق القدس، لا يوجد لدينا مانع من الاعتراف بإسرائيل بالشكل الذي تراه مناسباً، يهودية كانت أم صينية. (...) وسنكون على استعداد للاعتراف بها خلال ساعة واحدة كما تريد». وذكرت الصحيفة إن «القيادة الفلسطينية تسعى إلى رمي الكرة في ملعب إسرائيل، لأن الحديث الآن يدور عن موافقة أسطورية وتاريخية للإعتراف بإسرائيل دولة يهودية». وأضافت أن «الفلسطينيين يدركون جيداً أن الحكومة الاسرائيلية لن تسمح للإدارة الأميركية بترسيم حدود الدولة الفلسطينية العتيدة على أساس الحدود المحتلة عام 1967، ولا حتى شرق مدينة القدس». وكانت الولاياتالمتحدة حضت الفلسطينيين على التقدم باقتراح مضاد للعرض الذي قدمه نتانياهو ويقضي بتمديد تجميد الاستيطان مقابل الاعتراف باسرائيل «دولة للشعب اليهودي». وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية فيليب كراولي الثلثاء: «من المهم ان يواصل الجانبان البحث في الشروط التي تتيح استمرار المفاوضات المباشرة». وأضاف انه اذا كان نتانياهو «تحدث عن افكاره لجهة ما هو مستعد للقيام به للمساهمة في عملية السلام، وما يحتاج اليه شعبه للخروج بنتيجة من هذه العملية، فإننا نأمل في ان يحذو الفلسطينيون حذوه». وعلى رغم نفي عبد ربه ما نسبته الصحيفة الاسرائيلية اليه، إلا ان تصريحاته أثارت قلقاً واستنكاراً في صفوف الفلسطينيين من احتمال أن تعترف السلطة الفلسطينية بإسرائيل ككيان لليهود، ما يعني الغاء حق العودة لأكثر من خمسة ملايين لاجئ وطرد أكثر من مليون من فلسطينيي اراضي 1948. وشن أمين سر المجلس الثوري لحركة «فتح» أمين مقبول هجوماً لاذعاً على عبد ربه، وقال إن «تصريحاته لا تمثل حركة فتح ولا الشعب الفلسطيني، بل تمثل نفسه». وجدد رفض «فتح» طلب اسرائيل الاعتراف بها «دولة يهودية». بدوره، أكد عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» جمال محيسن أن الاعتراف باسرائيل دولة يهودية «أمر مستحيل»، وقال إنه «لا يمكن لأي فلسطيني مهما كان موقعه أن يعترف بإسرائيل دولة يهودية بأي حال أو يوافق على مثل هذا الطرح». وحذر من أن «هذا الاعتراف ينهي موضوع اللاجئين، ويشكل خطورة على الفلسطينيين الموجودين في الأراضي المحتلة عام 1948». وطالب النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي حسن خريشة الرئيس محمود عباس بمحاسبة عبد ربه على تصريحاته، معتبراً أن «هذه التصريحات تعبر عن حال استسلام وخنوع وعجز، والسير عكس التيار الشعبي والوطني الرافض، وأخطر ما فيها أنها تأتي من أمين سر اللجنه التنفيذية». وطالب الفصائل الفلسطينية المنضوية في اطار منظمة التحرير «بتوضيح موقفها من تصريحات عبد ربه التي تجاوزت كل الخطوط الحمر، إذ لا يمكن أن تعبر عن وجهة نظر شخصية، وإنما تأتي في اطار كونها بالون اختبار لقياس ردود الأفعال على مثل هذه التصريحات الخطيرة التي تمس بحق العودة وبأهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948، وتتساوق مع المشروع الصهيوني الذي عبر عنه الثالوث نتانياهو - ليبرمان - يشاي»، في اشارة الى وزير الخارجية افيغدور ليبرمان وزعيم «شاس» ايلي يشاي. وانتقد أمين سر المجلس التشريعي النائب عن حركة «حماس» محمود الرمحي بشدة تصريحات عبد ربه، وقال إنها «لا تمثل إلا نفسه، إذ لا يحق له أن يصرح باسم الشعب الفلسطيني الذي قدم التضحيات الجسام في سبيل إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة على كامل ثرى الوطن من دون انتقاص أو تنازل عن أي شبر من الأرض». وأضاف أن «اللجنة التنفيذية أصلاً لا تمثل قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني، وهي مقتصرة على فئة معينة، خصوصاً بعد تعليق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مشاركتها في اجتماعاتها». واعتبر «مثل هذه التصريحات تنكراً لتضحيات الشعب وتنازلاً عن حق العودة وعن الثوابت الفلسطينية» ووصفها بأنها «مؤامرة بين من يقبل بهذا الطرح وبين حكومة نتنياهو لطرد الفلسطينيين من أراضي فلسطينالمحتلة عام 1948». ودعا السلطة إلى «وقف مثل هذه التصريحات التي تضر بمصالح الشعب ولا تخدم القضية الفلسطينية وتعطي الاحتلال تبريرات إضافية للإمعان في اعتداءاته على الشعب والممتلكات». واعتبرت «الجبهة الشعبية» أن تصريحات عبد ربه «لا تمثل منظمة التحرير». وذكرت في بيان إن هذه «التصريحات تتناقض مع مواقف المنظمة والقوى الوطنية والإسلامية ولا تعبر عن رأيها». ورأت في التصريحات «اجتراراً ممجوجاً للمواقف الأميركية الداعمة للاحتلال، وإمعاناً في الخروج عن مواقف المؤسسات الوطنية والرأي العام الفلسطيني والعربي، وتساهم في الحملة الاسرائيلية لتقويض حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة وعاصمتها القدس». واعتبرت أن «هذه المواقف وتداعياتها تعبيراً عن حال الإفلاس السياسي والانهيار أمام إملاءات الاحتلال ومخططاته لتفتيت الساحة الفلسطينية وتصفية قضية فلسطين».