عشية الاحتفال بذكرى توحيد شطري اليمن الشمالي والجنوبي التي تصادف اليوم، وفي وقت كانت العاصمة صنعاء تشهد عرضاً عسكرياً كبيراً للمناسبة، قتل أمس ثلاثة يمنيين وأصيب نحو ثلاثين آخرين بجروح في مدينة عدن (جنوب)، في صدامات بين قوات الأمن ومتظاهرين رفعوا شعارات مناطقية وانفصالية، في حين اشار شهود الى اعتقال ما يزيد عن مئة شخص للتحقيق معهم بتهمة إثارة الشغب وتسيير تظاهرات غير مرخص لها وإطلاق شعارات معادية للوحدة. وفي موقف لافت، دعا علي سالم البيض الرئيس السابق ل «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» قبل الوحدة في مؤتمر صحافي في ميونيخ (المانيا)، إلى انفصال الجنوب، مؤكداً أنه سيقود المساعي المؤدية إلى هذا الانفصال. وناشد البيض الذي قاد محاولة انفصالية العام 1994، الدول العربية الضغط على صنعاء لسحب قواتها من جنوب اليمن. ونقل موقع هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) عن البيض قوله «كنا نتطلع الى وطن واحد يسع الجميع عندما وقعنا اتفاق الوحدة، لكن السلطة في صنعاء كانت تتربص بنا وبشعبنا». وهذا اول تصريح سياسي للبيض منذ قراره اعتزال السياسة في 1994 وانتقاله الى سلطنة عمان التي منحته اللجوء السياسي. وروت مصادر متطابقة في عدن ل «الحياة» أن مئات الأشخاص تقاطروا منذ الصباح الباكر من مختلف أحياء المدينة الى ساحة الهاشمي بمديرية الشيخ عثمان للتظاهر ضد السلطات في إطار حركة «الاحتجاج الجنوبي» التي تشهدها محافظات جنوبية وشرقية عدة منذ أشهر، لكن قوات الأمن سارعت إلى تفريقهم مستخدمة الهراوات والقنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي، فقتل ثلاثة أشخاص وجرح اكثر من ثلاثين. ولاحق عناصر الأمن الباقين الذين تفرقوا في شوارع المدينة. وأفاد شهود ان المصابين نقلوا إلى مستشفى النقيب التخصصي في مديرية المنصورة ومستشفى الوالي ومستشفى درة الدار بمديرية دار سعد بمحافظة عدن، إلا أن عشرات المتظاهرين تجمعوا أمام هذه المستشفيات، ما دفع قوات الأمن إلى طلب الدعم من قوات الحرس الجمهوري التي نجحت في تفريقهم مجدداً. من جهته، اعرب محافظ عدن الدكتور عدنان الجفري عن أسفه واستغرابه الشديدين لتعمد بعض وسائل الإعلام تأجيج الأحداث وتضخيمها، وقال في تصريح نقلته «وكالة الأنباء اليمنية» الرسمية (سبأ): «لم تحدث صدامات بين أفراد الأمن والمتظاهرين لكن بعض العناصر الغوغائية قامت بأعمال شغب وتخريب بعد التظاهر في منطقة الهاشمي أسفرت عن إصابة عدد من المواطنين». وتزامنت المواجهات في عدن مع استعراض عسكري كبير وغير مسبوق جرى في صنعاء لمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لإعلان توحيد شطري اليمن، بحضور الرئيس علي عبدالله صالح وكبار المسؤولين وممثلي السلك الديبلوماسي الذين وقفوا خلف لوح زجاجي واق من الرصاص. وقاطعت العرض أحزاب المعارضة المنضوية في تكتل «اللقاء المشترك» والتي انتقدت في وقت سابق الاحتفال بالوحدة من خلال العروض العسكرية. وشاركت في العرض وحدات رمزية من القوات الرئيسية الثلاث: البرية والبحرية والجوية، اضافة الى الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، ضمت أكثر من ثلاثين ألف عسكري. وظهرت خلال العرض انواع جديدة من الأسلحة. ووصف مصدر ديبلوماسي في صنعاء (أ ف ب) العرض العسكري بأنه «استعراض قوة» و «رسالة»، في اشارة الى التمرد الزيدي في الشمال ودعاة الانفصال في الجنوب. وكان الرئيس علي صالح حذّر الأحد الماضي من الشعارات والنعرات الطائفية والدعوات إلى تشطير اليمن والعودة به إلى ما قبل الوحدة، مشدداً على أنه لن يسمح لأي مشاريع تستهدف الوحدة أن ترى النور. وفي خطاب الى الشعب اليمني، جدد الرئيس صالح دعوة الأحزاب السياسية (المعارضة) إلى حوار مسؤول حول قضايا الوطن كافة، وأكد ان «الوحدة اليمنية راسخة رسوخ جبال اليمن وستبقى شمعة مضيئة»، مشيراً إلى ان من وصفهم ب «أصحاب المشاريع الصغيرة الذين يستهدفون وحدة الوطن وأمنه واستقراره، لن ينالوا من اليمن مهما كانت مؤامراتهم ومخططاتهم». وأكد التزامه بالنظام الديموقراطي التعددي والتداول السلمي للسلطة واجراء المزيد من الاصلاحات السياسية والاقتصادية ومحاربة الفساد وتطوير نظام الحكم المحلي الواسع الصلاحيات، بما يعزز أهداف التنمية ومخرجاتها، لافتاً إلى أن القوات المسلحة والأمن ستظل حامية لأمن الوطن وتقوم بمسؤولياتها في التصدي للخارجين على القانون والدستور وحماية الوحدة الوطنية ومكافحة القرصنة والإرهاب، مشيراً إلى تحديات كبيرة يواجهها اليمن تتطلب اصطفافاً وطنياً بين كل القوى السياسية. وتحدث علي صالح في خطابه عن أهم انجازات الحكومة في مجال التنمية، وجدد مواقف اليمن من القضايا العربية والاقليمية والدولية، ووجه الشكر والتقدير للأشقاء والاصدقاء على مواقفهم الداعمة لأمن اليمن واستقراره ووحدته. وتشهد المحافظات الجنوبية تظاهرات شبه يومية منذ آذار (مارس) 2006 احتجاجاً على ما تعتبره القوى الداعية للانفصال نهباً لثروات الجنوب تمارسه السلطة المركزية في الشمال. وسقط عشرات القتلى والجرحى معظمهم من المتظاهرين المطالبين بعودة نحو 70 ألفاً من عسكريي وموظفي اليمن الجنوبي السابق الى وظائفهم، وبتطبيق «حق تقرير المصير».