حظيت بلقاء مفتوح وحوار صريح مع بعض فتيات الجامعة أدركت أثناءه تأخرنا في إعطاء الجيل ثقافة التعامل مع التقنية، والتربية على استثمار منتجاتها المعاصرة، ومهارات استخدام وسائل الاتصالات ونقل المعلومات بما يعود نفعه على الجيل ومجتمعه. لقد كانت غالبية المشكلات تصب في شعور الفتيات بإدمان النت لاسيما (المسن) - اختصار الماسنجر - كما اصطلح على تسميته الفتيات، وصار الكثيرات يهرعن إلى أجهزة الحاسوب فور استيقاظهن من النوم وقبل غسل الوجه في غالب الأحيان لفتح الجهاز وإعداده واستغلال كل ساعة يقظة في التعامل معه، وأصبح الوقت يمر على الفتاة دون أن تشعر وصارت تقضي ما يقارب الخمس إلى السبع ساعات يومياً على شاشة النت، حتى وإن حظيت العائلة بمشاركة الفتاة لابد أن تصطحب الحاسوب لتبقى جسداً بلا روح مع أهلها ويظل فكرها وعقلها مع المسجلين والمسجلات في الماسنجر، وتغيبت عن كثير من الارتباطات العائلية، وسجلت تأخراً دراسياً وثقافياً وفكرياً واجتماعياً لإدمانها الحاسوبي مع عدم شعور من حولها بما تعانيه أو وقعت فيه. وماعليك إن أردت اكتشاف أثر الماسنجر السلبية إلا أن تزور أحد المنتديات لتقف على ضعف اللغة وركاكة الأسلوب ونحت مصطلحات غريبة لايعرفها إلا المتمرس في هذا الفن، والأدهى والأمر ما يمرر خلال الحوارات من قيم غريبة وأفكار سلبية ووجهات نظر خاطئة في مواضيع مهمة، يعتمد المشاركون فيها على آرائهم الشخصية ورؤاهم الفردية ويعبر كل فرد عن مكنون نفسه لعدم إمكانية التعرف عليه دون أن يوجه فكره أو يصحح. إن ما مضى يوقفنا على أزمة جيل تهدد الوطن والمجتمع، تكمن في عجز الشاب عن الاستفادة الكاملة من نظم التقنية، بل والاستعمال الخاطئ لها، ووقوعه في شراك سلبياتها، كما يعكس لنا تأخر المربين في تربية الجيل على ثقافة الاستثمار والبناء لاالهدر والهدم، وقضاء السنوات الطوال لمنع التقنية دون الانشغال بإكساب المناعة حتى صارت واقعاً يفرض نفسه دون أن يأخذ الجيل مصل حماية عن مخاطرها وأضرارها فأضحوا ضحية ثقافة المنع وحدها دون مزجها بالمناعة، كما يعكس فقد الخطاب الثقافي النخبوي زخمه وتأثيره وجاذبيته بسبب التغيّرات العالمية لاسيما السنوات العشر الأخيرة؛ وبروز مؤثرين جدد في الحياة الاجتماعية من خارج الدوائر التقليديّة لصناعة الفكر والمعرفة، وصار لمصممي الأزياء ونجوم الطرب والكرة والنت حضور قوي ومتابعة شعبية كثيفة تفوق متابعة رافعي مشاعل المعرفة وموقدي مصابيح الفكر. ومن المؤسف أنك حين تلتقي بكثير من صانعي الخطاب الإسلامي تجد أن أطروحاتهم ورؤاهم وآمالهم في الإصلاح والتجديد والنهضة بعيدة كل البعد عن اعتبار المعطيات الجديدة، وذلك لأنهم يفكرون بالطريقة نفسها التي فكر بها أسلافهم قبل ثلاثة قرون فلا تنويع ولاتجديد. إن على المربين أن يدركوا حدودهم الجديدة، وأن يعيدوا النظر في المفاهيم والمقولات التي كانوا يفهمون من خلالها الواقع العام للمجتمع، وعليهم أن يدركوا على نحو دقيق ما تبقّى لهم من دوائر التأثير ويحاولوا الاستثمار فيها بشكل مكثف، إضافة إلى إدراك المسؤوليات الجديدة التي فرضتها التغيّرات الإيجابيّة والسلبيّة الحديثة، وأن يدخلوا عالم الشباب ليكونوا قادرين على التأثير والتغيير ويتكلموا من واقعهم المعاش ويتنفسوا همومهم ومشكلاتهم ويسهموا في استثمارهم، وأن يتبنوا طرحاً يعتمد على سلفية المنهج وعصرية الطرح لمواجهة التحديات والتغيرات والمنافسة في جذب الجيل لإقناعه وتوجيهه. * داعية، وأكاديمية سعودية. [email protected]