اعتدنا أن نقرأ في الصحف عن الغارات والهجمات الجوية التي تشنّها القوات الخاصة باستخدام طائرات من دون طيار وذلك بهدف تصفية أعضاء تنظيم «القاعدة» والمقاتلين المتمردين في كلّ من باكستانوأفغانستان. ويبدو أنّه يتمّ اعتبارها في الغرب وسيلة حديثة ومقبولة يمكن استخدامها في إطار أي حرب في القرن الحادي والعشرين. إلا أنّ الاستعمال المتزايد لوسائل مماثلة لم يحتل حيّزاً كبيراً في النقاش السياسي. ولم تكن كبار الشخصيات في المملكة المتحدة تؤيد اللجوء إلى الاغتيالات. وقد أعلن الجنرال ديفيد بترايوس، قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان أنّ القوات الخاصة تعتقل أربعة إلى ستة متمردين بارزين يومياً في شمال شرقي أفغانستان أو تقتلهم. وأضاف أنه تمّ إجبار هذه «الأهداف القيّمة» على الخروج من المناطق القبلية في باكستان وعلى التوجه نحو مقاطعتي نورستان وكونار معتبراً أنّ هذه الوتيرة تفوق بكثير الوتيرة التي خبرها في العراق. وفي الوقت الذي ساهم فيه إرسال 30 ألف جندي أميركي إضافي في دعم قوات حلف شمال الأطلسي في محافظة هلمند وفي حين باتت نسبة النجاح العسكري محدودة، كانت هذه العمليات التي تمّت بقيادة الوحدة الأميركية وقوات العمليات الخاصة التابعة للحلف الأطلسي وفريق مؤلف من القوات الأفغانية الخاصة تحتلّ أهمية كبرى. وساهم العدد المتزايد للطائرات من دون طيار في مساعدة جهاز استخبارات حلف شمال الأطلسي كثيراً. ومن بين الخيارات المتاحة أمام الرئيس باراك أوباما في إطار الحرب ضد تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان» هو السماح بشنّ المزيد من الهجمات الجوية على قيادتي التنظيم والحركة باستخدام الطائرات من دون طيار. فطائرات التجسس من طراز «بريداتور» صغيرة وخفيفة وتعمل من دون طيّار حتى أنها تتميز بتكنولوجيا متقدمة ورائعة. كما أنها مجهزة بكاميرات تلفزيونية وبصواريخ وبمتفجرات دقيقة التوجيه. ويتمّ تطوير هذه الطائرات باستمرار إذ من الواضح أنها مفيدة في محاربة المتمردين الذين يختبئون بين المدنيين وفي المناطق غير الصالحة للعيش مثل المناطق الجبلية في باكستان. وفي الوقت الحالي، تُعتبر الولاياتالمتحدة وإسرائيل وروسيا الدول التي تستخدم اساساً الطائرات المقاتلة من دون طيار. وتملك المملكة المتحدة عدداً صغيراً منها يشرف عليه سلاح الجو. كما يعمل البعض منها في أفغانستان مع العلم أنّ المعلومات المرتبطة بطريقة استخدامها تبقى سرية. ويتولى طيار مشغّل مهمّة تشغيل الطائرات الأميركية من دون طيار خارج قاعدة كريش في صحراء نيفادا، في المقرّ العسكري الأساسي الموجود تحت الأرض. ويعتمد المشغّل على المعلومات الاستخباراتية التي تمّ جمعها بكل الوسائل ومن ثمّ يتولى محللون مهمّة التدقيق فيها. والجدير ذكره أنّ التاريخ الحديث وما نُشر على موقع «ويكيليكس» أخيراً يُبيّن استحالة التخلي عن استخدام التعذيب. وقد تكون المعلومات الاستخباراتية التي يتمّ العمل عليها صحيحة مئة في المئة أو قد لا تكون كذلك. ويعود القرار في اختيار الشخص الذي يجب قتله إلى أجهزة الاستخبارات. وغالباً ما تتحدث البيانات الصحافية عن العمليات الناجحة لكن لم يتمّ يوماً إبراز أيّ دليل على العلن. فهل يقتلون دائماً الفرد الذي يقع اختيارهم عليه؟ أنا أشك في ذلك. ومن السهل معرفة حقيقة ما يجري في قطاع غزة على هذا الصعيد لا سيما أنّ السلطات الإسرائيلية تتعرض أحياناً للانتقادات لأنها قامت في مناسبات عديدة بتصفية الشخص الخطأ مثل شقيق المشتبه به أو نسيبه الذي يشبهه إلى حدّ بعيد. وتسببت الصواريخ التي أُطلقت من الطائرات من دون طيار في بعض الأحيان بمقتل نساء واطفال. أصدر رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية أمراً يقضي بوقف عمليات القتل فقال: «يجب ألا نكون نحن من يحدّد الأشخاص الذين يجب تصفيتهم... إذ يجب الابتعاد قدر الإمكان عن هذه المسألة». ولم يكن الموقف الذي اتخذه هذا الزعيم البريطاني في زمن الحرب نابعاً من ضعف (نذكر دعمه لقصف مدينة درسدن الالمانية التي تمّ تدميرها بالكامل). فقد أدرك أن الفوز بالمعارك أو خسارتها يتوقّف على الذهاب إلى أقصى الحدود تماماً كما حصل حين شنت آخر دبابة هجومها فنجحت أخيراً في اختراق خط العدو. لقد أدرك أنّ مندوبي بريطانيا في الخارج كانوا يعقدون الاتفاقات ويخفونها عن الشعب في الداخل مع العلم أنها لا تحترم القانون. واعتبر البروفسور كيث جيفري في كتابه الأخير حول البنادق من طراز «أم 16» أن هذا السلاح كان مسؤولاً في السنوات الأربعين الأولى من استخدامه عن مقتل شخصين بطريقة غير شرعية مع العلم أنّ أحدهما قُتل من طريق الخطأ. ورأى الأشخاص الذين استخدموا البنادق من طراز «أم 16» حتى خلال أصعب الأيام في الحرب العالمية أنّ عمليات الاغتيال هي تصرف غير أخلاقي ويؤدي إلى نتائج عكسية. وكتب فيليب ألستون وهو محقق في الأممالمتحدة تقريراً انتقد فيه عمليات القتل المستهدف. فقال: «إنّ رخصة القتل هذه التي لا تحظى بتحديد واضح وتبقى من دون محاسبة ليست حقاً تستخدمه الولاياتالمتحدة والدول الأخرى من دون أن تخرق القوانين المصمّمة لتفادي عمليات القتل غير القانوني». ويجب أن تفكّر الدول المتحضرة التي يتهدّدها الإرهاب الدولي ملياً في اتّباع نصيحة تشرشل في المستقبل والابتعاد عن هذه المسألة. كما يجب أن تعطي الأممالمتحدة توجيهات حازمة وواضحة في هذا الصدد. * سياسي بريطاني ونائب سابق