استقبل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني امس وزيري الخارجية الفرنسي برنار كوشنير والإسباني ميغيل موراتينوس، في اجتماع ركز على بحث آخر التحديات التي تواجه جهود تحقيق السلام في المنطقة. وبحسب بيان للديوان الملكي، فإن العاهل الأردني اكد أهمية الدور الأوروبي في دعم الجهود المبذولة لتجاوز العقبات التي تعترض المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في ضوء انتهاء فترة تجميد الاستيطان التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية. وطالب الملك عبدالله الثاني بإيجاد البيئة الكفيلة باستئناف المفاوضات المباشرة التي تعالج كل قضايا الوضع النهائي، ما يستدعي وقف كل الإجراءات الأحادية التي تهددها، خصوصاً بناء المستوطنات. واعتبر أن «الإخفاق في تحقيق تقدم ملموس في جهود السلام، الذي يشكل حل الدولتين الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة والتي تعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل شرطه الأساس، سيبقي المنطقة رهينة للتوتر والاحتقان، وعرضة للمزيد من العنف والصراعات. وأطلع الوزيران العاهل الأردني على نتائج زيارتهما للمنطقة، والخطوات التي سيتخذها الاتحاد الأوروبي من أجل دعم الجهود السلمية». وكان الرئيس محمود عباس التقى وزراء خارجية فرنسا وإسبانيا وفنلندا في عمان امس وبحث معهم الجهود الأوروبية لمنع انهيار المفاوضات في ضوء رفض الحكومة الإسرائيلية تمديد قرار تجميد الاستيطان. وأكد كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات أن عباس باق في منصبه ولن يستقيل، مضيفاً في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع وزراء الترويكا الأوروبية أن الرئيس أطلع الوزراء الثلاثة على نتائج قمة سرت العربية الاستثنائية، مثمناً جهودهم المبذولة من اجل انجاح عملية السلام المتعثرة. وتابع عريقات أن عباس استعرض مع ضيوفه الخيارات الفلسطينية المتاحة، وهي الطلب من اميركا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، واللجوء الى مجلس الأمن لطلب الاعتراف بهذه الدولة، وكذلك خيار الوصاية الدولية، وخيارات اخرى رفض الكشف عنها. وحمل اسرائيل مسؤولية انهيار المفاوضات وعدم التوصل الى اتفاق سلام منصف «لأنها لا تلتزم ما توقع عليه»، موضحاً ان الفلسطينيين يبذلون جهوداً مع أعضاء الرباعية الدولية لوقف الاستيطان في الضفة الغربية. ووصف موراتينوس المحادثات مع عباس بالتفصيلية، معلناً ترحيبه ووزراء خارجية اوروبا بنتائج قمة سرت في هذا الوقت العصيب، واكد أن «العرب تضامنوا مع الفلسطينيين وأبدوا الرغبة الملحة في السلام». وأضاف: «اننا مع وقف الاستيطان»، لافتاً الى انه لمس خلال محادثاته مع الإسرائيليين أنهم معنيون بوقف الاستيطان أيضاً. أما كوشنير، فقال ان هدف الأوروبيين هو مساعدة الأطراف ولعب دور مع «الأصدقاء» الفلسطينيين والإسرائيليين للتوصل الى سلام عادل ودائم وشامل يرضي الجميع، منوهاً بمؤتمر الاتحاد من اجل المتوسط وما يستطيع ان يلعبه في هذا المجال لإيجاد سبيل لعودة المفاوضات المباشرة. وختم بأن الأوروبيين يلحظون الاختلافات في وجهات النظر بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وكانت وكالة «فرانس برس» نقلت عن عريقات قوله في اتصال من عمان في طريق عودته من سرت «ان الرئيس عباس اكد للعرب ان اسرائيل قامت فعلياً بإلغاء اتفاق اوسلو وبقية الاتفاقات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية»، كما «سحبت الولاية الفلسطينية السياسية القانونية والأمنية والوظيفية للسلطة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية بشكل تام». وأضاف عريقات ان عباس لم يلوح بالاستقالة او بحل السلطة، لكنه «قال ان اسرائيل الغت اتفاق اوسلو وبقية الاتفاقات وسحبت ولاية السلطة على الأراضي الفلسطينية، وبالتالي ما هو داعي بقاء» السلطة. وكان كوشنير وموراتينوس وصلا الى عمان قادمين من القدسالمحتلة حيث اكدا امس خلال مؤتمر صحافي في مقر القنصلية الفرنسية «أهمية الدور الذي تلعبه دول الاتحاد الأوروبي في الجهود المبذولة لدفع عملية السلام». كما استقبلا في مقر القنصلية صباح أمس رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض وبحثا معه في عدد من القضايا، بينها قضية تجميد الاستيطان. وقال كوشنير خلال المؤتمر الصحافي إن «الانطباع الذي خرج منه بعد اجتماعه مع فياض أنه يمكن المساعدة في تقريب وجهات نظر الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، خصوصاً أن فرنسا وأوروبا مقبولتان لدى الطرفين». وأضاف: «تم البحث مع فياض في آليات عقد مؤتمر باريس للمانحين»، واصفاً المؤتمر بأنه «مهم على طريق إقامة الدولة الفلسطينية». وأشاد بالخطة التي قدمها فياض الى المؤتمر المقترح، مؤكداً استمرار الدعم الأوروبي للفلسطينيين في الشقين الاقتصادي والسياسي. وتعقيباً على تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ليل الأحد - الإثنين التي انتقد خلالها الدور الأوروبي، قال كوشنير إن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو «طلب من أوروبا التدخل»، مضيفاً أنه وموراتينوس لمسا منه «تقدماً ايجابياً»، كما أنه منحهما «ضوءاً أخضر للاستمرار في الجهود لتقريب وجهات النظر والدفع بعملية السلام». وأكد أن الدور الأوروبي «يحظى باحترام الجميع»، وأن بلاده ترى أن «أفضل طريقة لإقامة الدولة الفلسطينية هي العمل من أعلى الى الأسفل وبالعكس»، لافتاً إلى «تعاون الاتحاد الأوروبي مع الولاياتالمتحدة لتحقيق السلام في المنطقة». وقال: «اننا (كأوروبيين) لا نحتل المكانة التي يتمتع بها الأميركيون»، مضيفاً ان «هذا طبيعي لأن للأميركيين تقاليد في دعم دولة اسرائيل وعملية السلام، نحن لا نتمتع بها، لكننا نكتسبها شيئاً فشيئاً». وقال ان البحث عن حل للخلاف في موضوع تجميد الاستيطان قد «يستغرق وقتاً». وأضاف «على رغم الخلافات في التحليل، فإن ما قاله لنا رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو مشجع جداً». وكان كوشنير أكد في مقابلة مع صحيفة «الأيام» الفلسطينية نشرتها الأحد الماضي، ان باريس لا تستبعد احالة موضوع قيام الدولة الفلسطينية على مجلس الأمن كأحد البدائل لعملية السلام المتفق عليها في اوسلو عام 1993، اذا ظلت المفاوضات «معلقة لزمن طويل». وأكد موراتينوس الدور الأوروبي المهم على طريق تحقيق السلام في المنطقة، لافتاً إلى أن أوروبا «أول من نادى بضرورة تحقيق المصير للشعب الفلسطيني وإقامة دولته إلى جانب دولة إسرائيل». وأشار إلى إعلان البندقية عام 1982، وما تبع ذلك من قرارات ترجمتها أوروبا على الأرض من خلال الدعم السياسي والاقتصادي المهم للشعب الفلسطيني وصولاً إلى تمكينه من إقامة دولته. كما لفت الى وجود «صعوبات» في العملية السلمية في المنطقة، مشدداً على أهمية «تضافر جهود الجميع من أجل إنجاح المبادرات لإقامة الدولة الفلسطينية وتحقيق السلام المنشود». الى ذلك، ذكر مسؤولون اردنيون لوكالة «فرانس برس» ان الموضوع الملح في زيارة الوزيرين الفرنسي والإسباني هو «الإرادة الأوروبية بالعودة للعب دور في عملية السلام». وقال مسؤول اردني فضل عدم كشف اسمه ان «الدول الأوروبية تريد ان تكون معنية سياسياً أيضاً، بالإضافة الى الجانب المالي» بعملية السلام.