انسحبت فصائل المعارضة السورية بعد ظهر أمس الاثنين من ستة أحياء جديدة كانت لا تزال تحت سيطرتها في جنوب شرقي مدينة حلب، وسط معلومات عن «انهيار كامل» في صفوف عناصرها الذين باتوا محصورين في رقعة صغيرة جداً من الأحياء المحاصرة كلياً منذ الصيف الماضي. وفيما أكد قائد كبير في الجيش السوري أن معركة حلب باتت الآن في مراحلها النهائية، وردت معلومات عن أوضاع «مأسوية» للمدنيين. وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبدالرحمن لوكالة «فرانس برس»: «انسحب مقاتلو الفصائل بعد ظهر الإثنين في شكل كامل من أحياء بستان القصر والكلاسة وكرم الدعدع والفردوس والجلوم وجسر الحج». ويأتي هذا الانسحاب بعد ساعات على سيطرة القوات النظامية على حيي الشيخ سعيد والصالحين بعد ليلة تخللها قصف عنيف. وتحدث عبدالرحمن عن «انهيار كامل» في صفوف مقاتلي الفصائل مع وصول «معركة حلب إلى نهايتها»، معتبراً أن سيطرة القوات الحكومية على أحياء المعارضة باتت «مسألة وقت وليس أكثر». وقال إن «المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة حالياً ليست إلا جزءاً صغيراً ومن الممكن أن تسقط في أي لحظة». وأضاف: «يمكن القول إن معركة حلب بدأت الدخول في المرحلة الأخيرة، بعد سيطرة قوات النظام على أكثر من تسعين في المئة من مساحة الأحياء الشرقية». وباتت الفصائل المقاتلة تسيطر عملياً فقط على حيين رئيسيين هما السكري والمشهد، عدا عن أحياء أخرى صغيرة. وبحسب عبدالرحمن، تحتفظ الفصائل حالياً «بسيطرتها في شكل كامل على المشهد والسكري، في حين تتقاسم السيطرة مع قوات النظام على الأحياء الأخرى المتبقية»، علماً أن ثلاثة منها على الأقل مقسومة بين الطرفين منذ 2012، وهي صلاح الدين والعامرية وسيف الدولة. وفيما ذكرت مراسلة «فرانس برس» الموجودة في غرب حلب أن دوي الغارات والقصف على القسم الشرقي لم يتوقف طيلة الليل في شكل عنيف ومكثف، تحدث «المرصد» عن «وجود جثث في الشوارع لا تعرف هوية أصحابها» في الأحياء الشرقية. ونقلت وكالة «رويترز»، من جهتها، عن اللواء زيد الصالح رئيس اللجنة الأمنية في حلب قوله إن عملية الجيش السوري لاستعادة شرق حلب باتت في مراحلها الأخيرة بعدما سيطر الجيش على حي الشيخ سعيد وأحياء أخرى. وأضاف في تصريحات لمجموعة من الصحافيين في حي الشيخ سعيد بعد استعادته: «المعركة في شرق حلب يجب أن تنتهي سريعاً. وهذا يعني أن الوقت محدود جداً جداً لهم (للمعارضين). إما الاستسلام أو الموت». كما أكد مصدر عسكري سوري في حلب ل «فرانس برس» أن «العملية العسكرية للجيش على الأحياء الشرقية أصبحت في خواتيمها»، مضيفاً: «لم يبق بيد المسلحين إلا عشرة في المئة من هذه الأحياء». ووصف بسام مصطفى، عضو المكتب السياسي في «حركة نور الدين الزنكي»، أبرز الفصائل في حلب، لصحافيين عبر الإنترنت ما يحدث في شرق المدينة ب «الانهيار المريع»، موضحاً أن «المقاتلين يتراجعون تحت الضغط، والأمور سيئة جداً». وأوضح أن القوات النظامية «تتقدم في حلب الشرقية تحت وابل من النيران والقذائف والقصف». وأشار إلى أن «القتلى والجثث على الأرض»، مبدياً خشية كبيرة على مصير المدنيين الذين نزحوا أو الموجودين في أحياء يدخلها الجيش. وقال شهود في حي المشهد ل «فرانس برس» إن الحي يشهد اكتظاظاً كبيراً بعد نزوح مدنيين من أحياء أخرى إليه مع تقدم الجيش النظامي، من دون أن يتمكنوا من إحضار أي شيء معهم من منازلهم. وبين المدنيين الذين لا يعرفون إلى أين سيذهبون، عدد كبير من النساء والأطفال الخائفين والذين يبحثون عن رغيف خبز. وقد افترش بعضهم الأرض فيما ينام آخرون وبينهم نساء على الحقائب أو يدخلون إلى المحال التجارية للاحتماء والنوم داخلها. وأحرزت قوات النظام والمجموعات الموالية لها منذ بدئها هجوماً في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر)، تقدماً سريعاً في شرق حلب. ودفعت المعارك المستمرة نحو 130 ألف مدني إلى النزوح من الأحياء الشرقية، معظمهم إلى أحياء تحت سيطرة القوات الحكومية. ومن شأن خسارة حلب أن تشكّل نكسة كبيرة للفصائل المقاتلة، في حين قال الرئيس السوري بشار الأسد الخميس إن حسم المعركة لصالحه سيشكل «تحولاً في مجرى الحرب» و «محطة كبيرة» باتجاه إنهاء النزاع المستمر منذ أكثر من خمس سنوات. «أوضاع مأسوية» وأحصى «المرصد» الاثنين نزوح أكثر من عشرة آلاف مدني خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة من أحياء سيطرة الفصائل إلى القسم الغربي أو الأحياء التي استعادها الجيش أخيراً. وبات عدد المدنيين الذين فروا منذ منتصف الشهر الماضي نحو 130 ألفاً، وفق عبدالرحمن. بينما أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» عن خروج 3500 شخص فجر الاثنين من جنوب شرقي حلب. وأشار عبدالرحمن إلى أن «بعض الأحياء تحت سيطرة الفصائل بات خالياً تماماً من السكان، فيما تضم أحياء أخرى عشرات الآلاف من المدنيين الذين يعانون من أوضاع إنسانية مأسوية». وتحدث عن «مخاوف حقيقية على من تبقى من المدنيين في أحياء المعارضة»، معتبراً أن «كل قذيفة تسقط تهدد بارتكاب مجزرة في ظل الاكتظاظ السكاني الكبير». وقال مدير مكتب حلب في منظمة «يونيسف» رادوسلاف رزيهاك في بيان الأحد: «لم أر بحياتي مثل هذا الوضع المأسوي الذي يعانيه الأطفال في حلب». وقدّر أن نصف مليون طفل في حلب يحتاجون إلى دعم نفسي واجتماعي بينهم مئة ألف يحتاجون مساعدة من مختصين. ومنذ بدء هجوم قوات النظام، قتل 415 مدنياً بينهم 47 طفلاً في شرق حلب، فيما قتل 130 مدنياً بينهم أربعون طفلاً جراء قذائف أطلقها مقاتلو المعارضة على غرب المدينة، بحسب «المرصد». ويرى كبير الباحثين في مركز «كارنيغي» للشرق الأوسط يزيد الصايغ أن سيطرة النظام على مدينة حلب «ستكسر ظهر المعارضة المسلحة (...) ويصبح من الممكن أخيراً تجاوز التفكير بإمكانية الإطاحة بالنظام عسكرياً». تدمر ويتزامن تقدم قوات النظام في شرق حلب مع تراجعها في وسط البلاد حيث تمكن تنظيم «داعش» من السيطرة على مدينة تدمر الأثرية في محافظة حمص بعد ثمانية أشهر على طرده منها بغطاء جوي روسي. وأفاد مدير «المرصد» رامي عبدالرحمن وكالة «فرانس برس» بمقتل 34 مدنياً بينهم 11 طفلاً وثماني نساء جراء غارات شنتها طائرات لم يعرف إذا كانت سورية أم روسية، على بلدة عقيربات وريفها تحت سيطرة «داعش» في ريف حماة الشرقي. وأورد «المرصد» معلومات عن أن الهجوم استُخدمت فيه غازات سامة. وفي هذا الإطار، قالت وكالة «أعماق» للأنباء التابعة ل «داعش» في بيان على الإنترنت إن 20 شخصاً قتلوا ونحو 200 أصيبوا بصعوبات في التنفس «في قصف جوي روسي بغاز السارين». ونفى الجيش السوري وروسيا استخدام الأسلحة الكيماوية. وأظهر تحقيق أجرته الأممالمتحدة هذا العام أن الجيش السوري استخدم غاز الكلور في هجمات على المعارضين وأن «داعش» استخدم كذلك أسلحة كيماوية في هجمات. وقالت دمشق إن نتائج هذا التحقيق خاطئة. وأشار «المرصد»، في غضون ذلك، إلى أن «داعش» أعدم الأحد ثمانية مسلحين موالين للنظام في تدمر، فيما قتل أربعة مدنيين بينهم طفلان بطلقات نارية خلال تمشيط التنظيم للمدينة». وقال عبدالرحمن إن التنظيم أحرز ليلة الأحد - الاثنين تقدماً في محيط تدمر من الجهتين الغربية والجنوبية الغربية. وخاض الطرفان الاثنين معارك عنيفة قرب مدينة القريتين ومطار «تيفور» العسكري، وسط معلومات عن مزيد من التقدم ل «داعش». وأسفر هجوم التنظيم منذ الخميس عن مقتل مئة عنصر على الأقل من قوات النظام والمسلحين الموالين.