لم يكن في القمة العربية الاستثنائية التي استضافتها مدينة سرت الليبية أي شيء استثنائي، إذ غلب عليها «التقليد العربي» بالاتفاق على ما هو متفق عليه وإرجاء النقاط الخلافية. ودار نقاش حتى ليل أمس بين القادة المشاركين في الجلسة المغلقة للقمة إزاء موضوعي «تطوير منظومة العمل العربي المشترك» و «سياسة الجوار العربي»، ما تطلب عقد جلسة ثانية ليلاً للوصول إلى توافقات بين المواقف المختلفة من الموضوعين. وفي حين دعا الرئيس المصري حسني مبارك إلى «التدرج» في إصلاح النظام العربي مع الابقاء على اسم جامعة الدول العربية، طالب الزعيم الليبي معمر القذافي ب «حرق المراحل» والإسراع بإقامة الاتحاد «لأننا أمة مستهدفة، واذا لم نتحد سننتهي ونزول». وتحفظ وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل عن اقتراح الأمين العام للجامعة عمرو موسى إقامة «رابطة جوار». وبعد إشادته بالمبادرة، لفت إلى ملاحظات تتعلق بتوقيت طرحها وطبيعة العلاقات المتوترة بين بعض الدول العربية ودول مجاورة، الأمر الذي لا يساعد على بلوغ غاياتها». وشدد الفيصل على أن «الخوض في موضوع يتناول ترتيب علاقات النظام العربي الذي ما زلنا بصدد ترميمه وإصلاحه مع جوار جغرافي قد لا نكون مهيئين للتعامل معه، يستوجب التهيئة له جيداً في إطار البيت العربي أولاً... ومعالجة المعوقات والإشكالات التي تعترض قيام نظام عربي فاعل وقادر على التعامل مع دول الجوار ككتلة متجانسة وموحدة». وأوضح أن السعودية «ترى أن من المصلحة التركيز مرحلياً على سبل النهوض والارتقاء بالعمل العربي ليكون بالفعل والممارسة عملاً مشتركاً وفاعلاً ومؤثراً على الصعيدين العربي والدولي... من خلال تقوية مؤسسة الجامعة». من جهته، اعتبر الرئيس السوري بشار الاسد أنه «لا يمكن بناء علاقات متميزة مع الجوار دون إصلاح العلاقات العربية - العربية أولاً، وإرساء الأسس المؤسساتية لتطويرها وإغنائها في جميع المجالات». ورفض «تحويل لجنة المبادرة العربية للسلام إلى لجنة للتفاوض الفلسطيني». وقال مسؤول عربي ل «الحياة» إن «القمة لم تصل إلى تصور في شأن اقتراح موسى، وهو القضية الأبرز التي طرحت على طاولة القادة وأرجئت مناقشتها لمزيد من البحث والتشاور، أما قضية تطوير مؤسسات الجامعة العربية وآليات عملها، فانتهت الجلسة المغلقة للقمة من دون التوصل إلى تصور في شأنها». وبدأت القمة بجلسة علنية تضمنت خطاباً للقذافي وآخر لموسى، قبل عقد جلسة مغلقة اقتصرت المشاركة فيها على رؤساء الوفود وكبار المسؤولين استمرت أكثر من ثلاث ساعات، ثم عقدت جلسة مسائية كان مقرراً أن تنتهي المناقشات فيها إلى تبني توصيات اللجنة الخماسية التي عقدت في طرابلس الليبية في حزيران (يونيو) الماضي لتطوير العمل العربي، مع مسودة البروتوكول الخاص بقيام «الاتحاد العربي» وتكليف لجنة اجراء مزيد من الدرس لتطوير النظام العربي وعرض نتائجها على القمة المقررة في آذار (مارس) المقبل. ونصت مسودة القرار الخاص ب «سياسة الجوار» التي اطلعت عليها «الحياة» على تشكيل لجنة وزارية عربية من دول عدة، كان مقرراً ان تسمى في اجتماع القادة «تكون مهمتها مواصلة درس اقتراح منتدى الجوار العربي من جوانبه كافة، والمدى الزمني لإطلاقه بالاستعانة بفريق من الخبراء السياسيين والقانونيين والاقتصاديين». وعُلم أن النقاشات الأولية للمسودة اعتمدت كلمة «منتدى» بدلاً من «رابطة». إلى ذلك، كشف ديبلوماسي عربي ل «الحياة» أن «الجلسة المغلقة شهدت سجالاً بين الرئيسين السوري بشار الأسد والفلسطيني محمود عباس محوره لجنة المبادرة العربية للسلام، إذ تحدث الأسد عن أن لجنة المبادرة غير معنية بمنح الفلسطينيين رخصة للتفاوض، فرد عليه عباس بأن القضية الفلسطينية قضية عربية بالأساس، معتبراً أن عدم اختصاص لجنة المبادرة بالموضوع الفلسطيني يعني تخلي العرب عن القضية الفلسطينية». وقالت مصادر عربية اخرى ل»الحياة» ان «مشادة ساخنة جرت بين القذافي وعباس ازاء الموقف من المقاومة، بعدما وجه الرئيس الفلسطيني انتقادات حادة إلى حماس واتهمها بان تعمل باجندة ايرانية وان طهران تمنع المصالحة الفلسطينية، ما ادى الى ردود قوية من عدد من الزعماء العرب». واضافت المصادر ان «الرئيس اليمني علي عبد الله صالح اكد ضرورة تقديم الدعم الكامل للمقاومة، فيما تساءل القذافي: كيف يمكن ان يقاوم الفلسطينيون وهم لهم علاقة مع اسرائيل؟». وأقرت قمة سرت دعماً مالياً للسودان والصومال. وانشغلت أروقة القمة بترقب لقاء بين الرئيسين المصري والسوري، وهو اللقاء الذي أكد الأسد أنه لم يعقد حتى انتهاء الجلسة الختامية. وقال رداً على أسئلة للصحافيين عقب الجلسة المغلقة: «لم تتم أي ترتيبات لعقد لقاء حتى الآن، وليس بعد». ووصف العلاقات بين بلاده ومصر بأنها «جيدة وتتطور». وعما إذا كان يعتزم زيارة مصر، قال الأسد: «لم توجه لنا الدعوة، فالزيارة لها أصول لأنها ليست زيارة إلى منزل ولكن زيارة إلى مصر».