صادق البرلمان التونسي ليل أمس، على مشروع قانون موازنة الدولة للعام المقبل بعد تجاوز كل نقاط الخلاف، في وقت أكد الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي رفضه مبدأ العفو عن المواطنين «الإرهابيين» العائدين من بؤر التوتر في سورية والعراق وليبيا. ووافقت غالبية النواب على مشروع قانون الموازنة ضمن المهلة الدستورية المحددة سنوياً في العاشر من كانون الأول (ديسمبر)، في ظل تعهد الحكومة الشروع فوراً في تنفيذ المشاريع والإصلاحات التي تضمنتها صيغتها النهائية. وتعتبر موازنة العام المقبل أول امتحان صعب يواجه حكومة رئيس الوزراء يوسف الشاهد الذي تعهد التصدي لمكافحة الفساد والإثراء غير المشروع والتهريب وإرساء العدالة الجبائية. لكن البرلمان عدّل بعض البنود، ما اعتبره البعض «إحباطاً» لجهود الحكومة التي اتخذت إجراءات ضريبية لتعزيز الموارد المالية للموازنة. وكانت وزيرة المال لمياء الزريبي صرحت أمام البرلمان بأن «تونس تحتاج إلى قروض خارجية قيمتها 3.7 بليون دولار أميركي (8.5 بليون دينار تونسي)، أي بزيادة بليون دولار مقارنة بما جرى إقراره من قروض في مشروع قانون موازنة العام المقبل. وتقدر موازنة الدولة لعام 2017 ب 15.573 بليون دولار (32.750 بليون دينار تونسي)، وواجهت معارضة شديدة من قطاعات عدة مثل المحامين والأطباء وموظفي القطاع العام الذين نظموا احتجاجات لإسقاط الإجراءات المتخذة في حقهم. وواجهت حكومة الشاهد منذ تقديمها مشروع الموازنة أزمة اجتماعية خانقة، خصوصاً بعد تهديد الاتحاد العام للشغل بتنفيذ إضراب عام إذا أرجئ صرف الزيادات في مرتبات موظفي القطاع العام. كما نظم المحامون سلسلة تحركات احتجاجية أفضت إلى إسقاط الضرائب المقررة في حقهم. وتعمل حكومة الشاهد التي تسلمت مهماتها قبل أكثر من ثلاثة أشهر في ظروف مالية صعبة بسبب شروط المقرضين الدوليين الخاصة بخفض الإنفاق وتوجيه النفقات نحو الاستثمار، في مقابل رفض النقابات وقوى المعارضة اعتماد السياسات التقشفية التي قد تلحق ضرراً بالطبقة الوسطى. وخفضت الاحتجاجات الاجتماعية وتراجع إيرادات السياحة بفعل الهجمات المسلحة توقعات النمو للعام الحالي وصولاً إلى 1.5 في المئة بأقصى حد، وسط مخاوف من تزايد تدهور الاقتصاد الذي دخل مرحلة الانكماش في السنوات التي أعقبت الثورة ضد حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي قبل ست سنوات. في غضون ذلك، رفض الرئيس السبسي مبدأ العفو عن الجهاديين التونسيين الذين يقاتلون في بؤر التوتر بسورية والعراق، مشدداً على أن «هؤلاء مجرمون لا بدّ من تقديمهم إلى العدالة». وأكد أن تونس «لن تتسامح مع من يرفع السلاح ويقتل الأبرياء ولا بدّ من تطبيق القانون بكل صرامة، وذلك استدراكاً منه لتصريحات أدلى بها قبل أيام، وأكد فيها «اتخاذ كل الإجراءات الضرورية لتحييد المقاتلين التونسيين العائدين من بؤر التوتر في سورية والعراق، واستعداد أجهزة الأمن للتعامل مع الراغبين في العودة». على صعيد آخر، أكد الرئيس التونسي أنه «ليس متحالفاً مع الإسلاميين التونسيين، ولا يتفق معهم»، معتبراً أن «حزب النهضة الإسلامي» الذي يشارك في التحالف الحكومي بقيادة نداء تونس «تبرأ من الانتساب للإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين». وشدد على أن الوضع في بلاده «لا يزال هشاً»، داعياً إلى «تضافر كل الجهود لتحقيق الاستقرار الذي سيجلب معه التنمية والاستثمار لتونس ويروّج لصورة جديدة لها غير تلك التي تتحدث عن عدم استقرار البلاد واستهدافها من جماعات إرهابية». وأضاف: «اختارت تونس الديموقراطية التي لا نزال نفتقد ثقافتها، وأسلوب تطبيقها في الحياة اليومية».