منذ أن نشأت جامعة جازان وهي تخطو واثقة نحو الهدف الذي رسمته للرفع من مستوى طلابها وطالباتها، سواء في تخصصاتها، أو في أنشطتها، أو في مؤتمراتها، أو في احتفالاتها للتخرج ، أو احتفالاتها الوطنية. طالعتنا الصحف المحلية الأسبوع الماضي بخبر جميل مفاده أن الجامعة احتفت باليوم الوطني بلا حواجز بين الجنسين، البنين والبنات على حد سواء، بمعنى أن الطالبات حضرن الحفلة في الصفوف الخلفية التي خصصت لجلوسهن، ليشاركن زملاءهن في فرحة الوطن بحضور أمير المنطقة «محمد بن ناصر بن عبدالعزيز»، ولكن الخبر لم يمر مرور الكرام على المتلقين من الجمهور الذين استبسلوا في التعليق على الخبر كعادتهم بين مؤيد ومنكر، وبينما رأى المؤيدون في هذا سابقة حضارية وراقية في التعامل مع فتيات الوطن وإعطائهن فرصة المشاركة والحضور للتعبير عن فرحتهن، إذ إن الوطن ليس حكراً على الرجال فقط، فهو مظلة الجميع يتساوون فيه بلا تميز، وبلا عقد سئمنا من معالجاتها وتبعاتها، التي مازالت تفت في بنية الوطن، إذ رأى المعارضون في هذا خروجاً على الدين، وعلى العادات والتقاليد، والواقع يؤكد غير هذا عبر عصوره المتتالية بحضور المرأة في كل أنشطته العملية والعلمية، لأن الدين أعطاها حقوقها التي سلبتها العادات والتقاليد، والمرأة السعودية عامة، سواء في الحاضرة أو البادية، كانت تعمل مع رفيقها الرجل جنباً إلى جنب، ولم تظهر علامات التفريق بين الجنسين إلا في أواخر التسعينات مع موجات الغلو والتطرف، التي شهدتها البلاد. المرأة الجازانية خصوصاً لم تنفصل عن أخيها الرجل من قديم الزمن، فهي رفيقته في الحقل، ورفيقته في المرعى، ورفيقته في السوق تبيع الخبز، والأقمشة، والفل، والمصنوعات الفخارية، والزهور العطرية التي تشتهر بها المنطقة، ولم يكن ذلك مقصوراً على سوق جازان العام، بل تجاوزه إلى الأسواق الأخرى، حتى تلك الأسواق الواقعة على حدود المنطقة، بل منهن من يمارسن قيادة السيارات في القرى النائية، لقضاء حوائجهن، أما أمير المنطقة فقد اشتهر بتشجيعه للمرأة ومساندتها، وكما يدعو الإعلاميين لزيارة المنطقة ويستضيفهم للوقوف على آخر المنجزات والتطورات التي تحققت للمنطقة، كذلك يدعو الإعلاميات من مختلف مناطق المملكة لهذا الغرض، وفي مهرجان «الحريد» السنوي الذي يقام بجزيرة «فرسان» سنوياً، هنالك مقاعد مخصصة للنساء لمشاهدة الفعاليات المصاحبة للمهرجان، ومكن الأسر أن تحضر لمشاهدة الحدث والطقوس التابعة له بكل يسر وسهولة. لا أعرف ما الذي يريده المتشددون لجعل هذا الحدث قضية خطرة، تقاذفت خصومها على مواقع صفحات «الإنترنت» التي تناقلت الخبر، لترى عبارات التشكيك والتهويل التي انصبت على رؤوس الحاضرات حتى وصمن بقلة الحياء والأدب؟ لم نسمع أن الطلبة تحرشوا بالطالبات، ولم نر الطالبات يتزاحمن مع الطلبة، ومرت الحفلة بانسيابية غمرتها الفرحة بالوطن، وانجازاته، والاحتفاء بعرسه، وتاريخه، ومنجزاته. التطبيع الاجتماعي والعلاقة الطبيعية في شراكة المرأة للرجل في مظاهر المجتمع وأحداثه، ظاهرة صحية وقديمة، لم يرفضها الدين، ولم يخرج عنها البشر منذ أن خلق الله «آدم وحواء» وأنزلهما على سطح الأرض لعمارتها، وإقامة شرائعه وقوانينه عليها، والتميز عند الله سبحانه وتعالى بالعمل الصالح، والأعمال المفيدة للخلق، سواء كانت ناتجة عن اجتهاد الرجل، أو اجتهاد المرأة، ولنا في سير نساء السلف الأسوة في الحياة الطبيعية، والقافلة تسير والتطبيع الاجتماعي بين الرجل والمرأة مقبل لا محالة، وإن تعثرت خطاه بعض الشيء، والعامل الزمني كفيل بتسريع الخطى، وهناك مثل ياباني يقول: «لا تخش التقدم البطيء... ولكن إياك أن تقف جامداً». [email protected]