تقرأ البؤس في ملامح وجهه، وترى الحزن في عينيه، وحين يتحدث تنبئك نبرة صوته بمدى المعاناة التي يعيشها. برّه بوالده أجبره على البقاء إلى جانبه، ولكنه في المقابل حرمه مما كان يحلم به.هذا هو واقع موسى عبدالله حسن شراحيلي، وهو خمسيني من سكان قرية السودة التابعة لمركز الخشل، أجبرته الأحداث الأخيرة على الحدود السعودية اليمنية على النزوح من قريته التي عاش فيها منذ صغره. فارق قريته وأرضه بعد أن اضطر كما غيره إلى النزوح، وهنا زاد حجم المعاناة، فهو لا يملك هوية وطنية ولا تصريحاً، على رغم أن شقيقيه إبراهيم الأكبر منه سناً ومحمد الأصغر منه يمتلكان هوية وطنية، فالأول كان يعمل في سجون الملز في الرياض والآن يعمل في فرع الزراعة في محافظة أحد المسارحة، والآخر يعمل في مستشفى الأمير سلمان في الرياض. يقول موسى: «لدينا أراض زراعية وسكنية ورثناها عن والدنا رحمه الله، وبنى أخي محمد مبنى مسلحاً بعد أن انهار المنزل الذي بناه والدنا من الحجر»، موضحاً أنه كان يسكن مع والده طيلة حياته، إذ كان يشرف على الأرض والمزرعة ويقوم برعي الأغنام والأبقار. يعود موسى بالذاكرة إلى الوراء سنوات ويتحدث عن المناظر الجبلية والأودية الجارية والخضرة الدائمة، «لم أفارق قريتي وحزنت كثيراً على فراق والدي، فأنا الأقرب إليه من إخوتي»، مشيراً إلى أنهم كانوا يريدون السفر خارج المنطقة للعمل وكسب لقمة العيش، ولذا بادروا إلى استخراج الهوية الوطنية. ويضيف: «بقيت وحيداً بعد وفاة أخي أحمد رحمه الله ورفض والدي حينها استخراج هوية وطنية حتى أكون إلى جانبه وأساعده في رعي الدواب لكي يضمن جلوسي في القرية، والآن نزحت إلى قرية قريبة من المدينة ولم أستطع التأقلم على العيش فيها لأنه لا توجد فيها مراع ومزارع ولا حتى أبقار وأغنام». ويستطرد موسى: «قريتنا قريبة جداً من الحدود مع اليمن لدرجة أن أهالي بعض القرى اليمنية يأتون للتسوق من الخشل ويمرون بقريتنا وقد أجبرنا على النزوح بعد الأحداث التي دارت مع المتسللين الحوثيين حفاظاً على أرواحنا، وها أنا أعيش وحيداً ليس لي معين ولا مصدر رزق، ولو أنني استخرجت بطاقة أحوال في السابق لكنت على أقل تقدير استفدت من الضمان الاجتماعي الذي أمر به ملك الإنسانية». ويناشد شراحيلي ولاة الأمر والمسؤولين في هذه البلاد المباركة النظر في الوضع المأسوي الذي يعيشه، فهو بلا هوية وطنية تتيح له عملاً يتناسب مع سنه وضماناً اجتماعياً يعينه على قضاء حوائجه، إضافة إلى أنه يعيش في دوامة من الحيرة والحزن والضياع ولا يعلم ما مصيره وأي مستقبل ينتظره.