باعتباري من قراء الصحف اليومية، فقد خُيل لي أنه باتت لدينا مدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية، سواء للبنين أو البنات في كل شارع داخل الأحياء السكنية، إذ إن المتابع اليومي للصحف يقرأ بشكل شبه مستمر اعتماد موازنات لبناء مدارس جديدة، وبشكل مواز تعيين معلمين ومعلمات لجميع المراحل، خصوصاً في السنوات الأربع الأخيرة. إلا أن متابعة الصحف اليومية لا يمكن أن تغني المواطن عن متابعة الواقع المعاش، لذا أتساءل هل ما أشرت إليه أعلاه هو الواقع؟ في حقيقة الأمر فإن الإجابة هي لا. الواقع يقول إن هناك طلاباً لم يتم قبولهم في مدارس تقع في الحي نفسه، الذي يقطن فيه هؤلاء الطلاب. تخيلوا الأضرار التي ستقع على ولي أمر الطالب، خصوصاً إذا كان موظفاً. بالتأكيد سيبدأ صباح ولي أمر الطالب بإيصال ابنه إلى المدرسة، ثم الذهاب إلى مقر عمله، وقبيل الظهر سيعود ليجلب ابنه من المدرسة ويوصله إلى المنزل، ثم يقفل عائداً مرة أخرى إلى منزله، وبعد نحو ساعة أو ساعتين سيعود إلى منزله بعد بداية نهار شاق وطويل. إذاً هي معاناة بكل ما تحمله من اسم، بدلاً من مشوار عادي، تحول الأمر إلى ست رحلات مرهقة، ولا يخفى على أحد مدى الاختناقات المرورية التي يقاسيها السائقون في شوارعنا، خصوصاً أوقات العمل الرسمي. ثم ماذا ينتظر المجتمع والمراجعون من موظف يقضي ثلاث ساعات على الأقل خارج مقر عمله؟ إذاً هو خطأ وزارة وإهمال مسؤولين في إدارات التربية والتعليم ومن يتحمل وزره هم مواطنون وإدارات حكومية ومراجعون. هناك من المواطنين من لديهم القدرة المالية على تدريس أبنائهم في مدارس خاصة، وهناك فئة أخرى لديها قدرة مالية أقل ستلجأ إلى النقل الخاص على رغم خطورته، لاسيما وهذا النشاط ليست لديه اشتراطات، وإن وجد بعضها فإنها لا تطبق. أما ذوو الدخل المحدود، فليس لديهم سوى الإرهاق والتعب واستنزاف الجهد، ولا ننسى أن هذا الإرهاق سيستمر، خصوصاً في ظل غياب «النقل المدرسي» الذي انتظرناه طويلاً بلا فائدة. على الأقل كان من المفترض بالمسؤولين في وزارة التربية والتعليم أن يحرصوا على مشروع النقل المدرسي إذا كانوا غير قادرين على تنفيذ المشاريع المعلنة أو المتأخرة. ثم نأتي إلى مشكلة أهم ألا وهي عدم توفير مدرسين لبعض المواد، إذ تمر الأسابيع في بعض المدارس من دون مدرسي رياضيات أو لغة عربية أو غيرها. إن المأمول من المسؤولين في وزارة التربية والتعليم، والمنتظر منهم العمل سريعاً على توفير المدارس، خصوصاً المرحلة الابتدائية، رحمة بأطفالنا وأولياء أمورهم الذي يكدون ويتعبون، على رغم ظروفهم المعيشية القاسية، على أمل إيجاد مستقبل مشرق لفلذات أكبادهم.