حين عزمت الندوة العالمية للشباب الإسلامي إقامة مؤتمرها العالمي ال11 في مدينة جاكرتا عاصمة إندونيسيا، بحضور نُخبٍ من العلماء والمفكرين والدعاة من مختلف أنحاء العالم، لم تبد مهتمة كثيراً بحضور حجر الزاوية (الشباب) على رغم أن شعارها وشعار مؤتمرها (الشباب والمسؤولية الاجتماعية) إذ خلا المؤتمر من أطروحات شبابية وبدا معظم الحضور في عمر الآباء. عرض بعض التجارب الشبابية التي طرحت من قياداتهم، كانت درعاً يتترس به بعض مسؤولي الندوة حين يُنتقدون، كما أن حديث ممثل الندوة العالمية للشباب الإسلامي في جنوب شرق آسيا معمور حسن الدين حين استشهد بحديث الأمين الراحل للندوة الدكتور مانع الجهني بأن الشباب هم من لم يتجاوز عمرهم رقمين (أي قرن من الزمان) يوحي بأن الإشكالية مطروحة من وقت قديم. تحت قبة (المسؤولية الاجتماعية) تمت مناقشة عدد من الأزمات الحالية التي يعانيها الشباب مثل «ما يتعرض له الشباب من موجات تغيير، ومحاولات تغريب، وكونه مستهدفاً من بعض أصحاب الغلو، وأرباب الفكر المنحرف، إضافة إلى تصاعد أرقام البطالة بين الشباب في العالم الإسلامي، ما يُحتم بحث موضوع المسؤولية الاجتماعية للشباب، وتفعيل برامجها، وإبراز مسؤولية الجهات الحكومية، والأهلية تجاه الشباب، وتشجيع التجارب الناجحة لبعض برامج المسؤولية الاجتماعية، واستلهام التجارب المفيدة لبناء برامج المسؤولية الاجتماعية للشباب، وتلمُّس آثارها الإيجابية». لم يشهد المؤتمر حضوراً لخصوم التيار الإسلامي، لكنه كان حافلاً بحضور أسماء كان سقفها الإسلامي أعلى من رواد الندوة كالدكتور توفيق القصير والدكتور زياد الدريس والدكتور حمد الماجد وعثمان القصبي وعدد من المعنيين، لكن اعتذار الدكتور سلمان العودة ترك أثراً ملفتاً. على الصعيد الاندونيسي، كان هناك احتفاء بعلماء السعودية، كما كان لمحاضرة الشيخ عبدالله المنيع وقع مميز لديهم، إذ شهدت مداخلات ساخنة من الطلاب الإندونيسين يطالبون بمزيد من المنح الدراسية. الشيخ المنيع على هامش المؤتمر، كان له لقاء مع إعلاميي المؤتمر، وأكد على هامش المؤتمر أن كثيراً من التخوفات التي طاولت العمل الإسلامي سواء محلياً أم عالمياً كانت عبارة عن وسوسة، مؤكداً ضرورة دعم العمل الخيري والإغاثي. على صعيد أوراق العمل، قدم الدكتور عصام عبدالشافي قراءة في الأبعاد والدلالات التأصيلية للشباب والمسؤولية الاجتماعية فقال: «تجد المسؤولية الاجتماعية سندها الأساسي فيما نادت به الأديان السماوية من قيم تحض على التعاون والتآزر والمشاركة، والفاعلية في التعاطي مع القضايا المجتمعية، وأمام تعدد الأبعاد التي تقوم عليها هذه المسؤولية، إذ كانت محلاً لاهتمام العديد من الحقول المعرفية والمجالات البحثية، وتزايد الحديث عن هذه المسؤولية مع طبيعة التحديات التي يواجهها العالم المعاصر، وعجز الدول عن الوفاء بالحاجات الأساسية لشعوبها، بل وعجز هذه الدول عن مواجهة المخاطر المستجدة التي تعاني منها البشرية، كالأمراض والأوبئة، والأزمات المالية والاقتصادية، دون وجود رؤى تشاركية وإدراك لقيمة المسؤولية، كمقدمة أولية لهذه المواجهة». وأوضح انه أمام هذه الاعتبارات جاءت أهمية البحث في طبيعة المسؤولية الاجتماعية من الناحية التأصيلية، من حيث بيان ماهيتها ودلالاتها، والأبعاد التي تقوم عليها، والأهداف التي يمكن تحقيقها من ترسيخ وتأصيل هذه المسؤولية، وكذلك الخصائص والسمات الأساسية للمسؤولية الراشدة، وموقع هذا وذاك في علاقة المسؤولية بالعمل الخيري. وذكر أن من خصائص المسؤولية الاجتماعية والمكونات التي تقوم عليها المسؤولية الاجتماعية كالاهتمام بالجماعة، والحرية والقدرة على المشاركة والقابلية لها، والفهم، والإرادة، ثم تناول أنواع المسؤوليات الاجتماعية، وفق معايير عدة ، منها، المعيار الفلسفي، ومعيار درجة الإلزام فى تنفيذ المسؤولية، ومعيار العلاقات التي تنشأ بين الأفراد، ومعيار نطاق التفاعل الذي يدخل فيه الفرد، ومعيار الفاعلين المنوط بهم القيام بمسؤوليات اجتماعية. وانتهت الدراسة إلى أهمية التأكيد على عدد من الاعتبارات، التي يمكن أن تشكل مرتكزات أو معايير أساسية لتعزيز المسؤولية الاجتماعية، وبخاصة بين مؤسسات الأعمال، ومؤسسات المجتمع المدني، باعتبارها الأطراف الأكثر فاعلية في هذه المرحلة من حيث الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية، ومن ذلك قيام هذه المؤسسات باحترام البيئة الداخلية لها (العاملين)، والبيئة الخارجية التي تعمل في محيطها (أفراد المجتمع)، وتوفير الدعم والمساندة اللازمة للمجتمع للنهوض بمستواه الاجتماعي والحضاري، وكذلك حماية البيئة المحيطة، من خلال توفير المنتج والقيام بالمبادرات وتقديم البرامج التي تخدم البيئة، وتوفير القدرة والالتزام بإعمار الأرض وتوفير الحماية اللازمة لها من جميع المشكلات التي قد تتسبب في تدميرها وفي هدم مكتسباتها ومقدراتها الحضارية. في حين قدم الدكتور عز الدين عينوش ورقة بعنوان: «الشباب المسلم في بلاد الغرب و ممارسة المسؤولية الاجتماعية «المثال الفرنسي» تناول فيها تجربة ممارسة المسؤولية الاجتماعية لدى الشباب المسلم القاطن ببلد غير إسلامي مع التطرق إلى بعض النقاط الواردة في المحاور الأخرى للمؤتمر.