يتساءل المشاهد العربي حين يرى جندياً إسرائيلياً راقصاً قرب أسيرة فلسطينية معصوبة العينين، ماذا يريد هذا الجندي أن يحقق من تصوير هذه الواقعة وتوثيقها وبثّها؟ ماذا يختلج في نفس هذا الجندي ونفوس أصحابه الذين تولى بعضهم تصويره وبعضهم الآخر تشغيل الموسيقى والتصفيق لرقصه المصطنع؟ ويتساءل المشاهد العربي الذي رسّخ الإعلام في ذهنه على مرّ العقود، أنه متخلف من بلاد متخلفة ولا يقيم للإنسان وزناً بينما إسرائيل «متمدنة» و«راقية» وفقاً لما يصور الإعلام الغربي ويعتقد، يتساءل هل يمكن الراقين المتمدنين أن يمارسوا تلك الممارسات اللاإخلاقية والهمجية؟ وهل يعقل أن يربي مجتمع، يدّعي الانسانية والديموقراطية، ناسه وأفراده على سلوكيات كهذه؟ والأغرب من ذلك، أن التلفزيون الاسرائيلي ووسائل إعلام أخرى تبادر إلى بث الشريط لتقول للعالم ان لديها ما يكفي من الحرية لتوجّه نقداً لهذه التصرفات. حادثة الجندي ليست فريدة، وسبقها نشر صور ومشاهد مماثلة لمجندة صورت نفسها قرب اسرى فلسطينيين معصوبي الأعين واصفة ذلك بأنه «أجمل فترة في حياتها». أما الجندي فتجاوز ذلك بالرقص وتصوير الفيديو والأكيد أن الآتي أعظم. ويتماهى الجيش مع الإعلام الاسرائيلي بالمزايدة عليه والإعلان عن إجرائه تحقيقاً لاتخاذ تدابير مسلكية في حق الجندي، وكأن هذا الجندي هو الذي قرر زج آلاف مؤلفة من الأسيرات والأسرى الفلسطينيين في السجون، وكأن هذا السلوك هو السلوك المشين الوحيد الذي يمارس في حق الأسرى وفي حق المنطقة برمتها. لكن العرب، خصوصاً الفلسطينيين واللبنانيين، الذين تستفزهم هذه الصور وترسخ اعتقادهم بأن اسرائيل كيان غاصب قائم على الاحتلال والقتل والإجرام، يعرفون أن ما يُبث من صور لا يمثل شيئاً أمام ما يفعله السجانون بالأسرى من تعذيب وإذلال. والفضل في هذا، يعود الى عصر الديجيتال والكاميرات المنتشرة في كل يد. هذه الصور تبيّن للرأي العام أن اسرائيل وجيشها وجنودها عنصريون بالطبع، والصورة الكاذبة التي رسخت عقوداً في أذهان العالم الغربي آخذة في التبدّل... وذلك بأيدي الإسرائيليين وكاميراتهم.