أسفرت زيارة الرئيس بشار الأسد أمس لطهران ومحادثاته مع قائد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد عن تنسيق مواقف البلدين إزاء المستجدات الإقليمية و«توطيد» العلاقات الثنائية بتوقيع البلدين اتفاقاً للتجارة الحرة ومذكرة تفاهم للتعاون الصناعي وإقامة مشاريع مشتركة. كما قلد أحمدي نجاد الرئيس الأسد أرفع وسام ايراني تقديراً لجهود الرئيس السوري في مجال العلاقات الثنائية والمنطقة وفي دعم السلم والأمن العالمين. وقال الأسد خلال مراسم تسلم الوسام إن العلاقات بين دمشقوطهران ضرورية لمنطقة الشرق الأوسط واستقرارها واستقلالها، وإن استمرارها لمصلحة البلدين والمنطقة. وكان الأسد وصل صباح أمس في «زيارة رسمية» استمرت يوماً واحداً بدأها بمراسم استقبال رسمية في القصر الرئاسي قبل عقد جلسة محادثات مع احمدي نجاد حضرها من الجانب السوري نائب الرئيس فاروق الشرع ومعاونه اللواء محمد ناصيف ووزير الخارجية وليد المعلم. وأفاد بيان رئاسي سوري أن المحادثات تناولت «المراحل المتقدمة التي قطعتها العلاقات الأخوية بين سورية وإيران، إذ أكد الجانبان على الاستمرار في توطيد التعاون القائم بين البلدين وفتح آفاق جديدة في القطاعات والمجالات التنموية والاستثمارية المختلفة وزيادة حجم التبادل التجاري بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعبين. كما شدد الجانبان على أهمية توسيع شبكة المصالح بين دول المنطقة وصولاً إلى تعاون اقتصادي إقليمي مشترك يسهم في ازدهار المنطقة ويلبي تطلعات شعوبها ويخدم الأمن والاستقرار فيها». وإذ تناولت المحادثات «آخر المستجدات على الساحة الإقليمية»، أكد الجانبان «حرصهما على وحدة العراق وسيادته واستقلاله وعبرا عن دعمهما تشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل كل أطياف الشعب العراقي وتتمتع بعلاقات طيبة مع جميع دول الجوار». وزاد البيان: «عن الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وعملية السلام، شدد الرئيسان الأسد وأحمدي نجاد على أن الممارسات الإسرائيلية اليومية في الأراضي المحتلة وتهويد القدس وبناء المستوطنات واستمرار الحصار الجائر المفروض على غزة، تكشف زيف ادعاءات إسرائيل في رغبتها بتحقيق السلام»، مضيفاً أن أحمدي نجاد «جدد دعم بلاده الثابت للحقوق العربية، بما فيها استعادة سورية للجولان المحتل». وتناولت المحادثات أيضاً الموضوع الإيراني النووي السلمي، إذ وضع الرئيس الإيراني نظيره السوري في «صورة التطورات الأخيرة المتعلقة بهذا الموضوع، وجدد الأسد التأكيد على حق جميع الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وأشاد باستعداد إيران للحوار المباشر لإزالة جميع الشكوك المتعلقة ببرنامجها النووي السلمي». من جهته، تناول أحمدي نجاد العلاقات الثنائية في دردشة مع عدد من الصحافيين السوريين، قائلاً إن البلدين «أخوان يتشاوران دائماً بالقضايا الإقليمية»، و«يتقدمان الى أمام» في شكل دائم. ونوه بزيارة الأسد لطهران، وقال رداً على سؤال ل «الحياة» يتعلق بالوضع العراقي إن «كل شيء يسير في مسار جيد، ويجب أن نكون مسرورين» إزاء ذلك. واستبعد حصول أي اعتداء خارجي على إيران، وقال إن «أحداً لن يتجرأ بالهجوم علينا». من جانبه، قال نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي للصحافيين السوريين إن العلاقات بين دمشقوطهران «مميزة وترمي الى تحقيق الاستقرار في المنطقة»، مضيفاً أن لهذه العلاقة تأثيراً إيجابياً في منطقة الشرق الأوسط. وبعد استراحة، أقام الرئيس الإيراني مأدبة غداء رسمية على شرف الأسد حضرها كبار مسؤولي إيران والوفد السوري والسفراء العرب وآخرين. كما جال الأسد في معرض تقني للتطورات التكنولوجيا الإيرانية أقيم في مناسبة زيارة الرئيس السوري، وأكد أهمية «تبادل الخبرات العلمية وامتلاك المعرفة واستثمارها في خدمة عملية التنمية وتحقيق التقدم لشعوب المنطقة والعالم الإسلامي»، لافتاً الى «البعد الإنساني والحضاري الذي يجسده هذا المعرض في عدم احتكار المعرفة التكنولوجية بل وضعها في خدمة العالم أجمع». وبحضور الأسد وأحمدي نجاد، وقّع مسؤولو البلدين مذكرة للتعاون الصناعي وإقامة مشاريع مشتركة واتفاقاً لإقامة منطقة تجارة حرة تبدأ ببدء الطرفين بخفض الضرائب والرسوم الجمركية على السلع المتبادلة بعد تصديق الاتفاق في مؤسسات البلدين وصولاً الى خفضها الى نسبة 4 في المئة بعد خمس سنوات. وعلم أن الاتفاق تضمن استثناء نحو مئة سلعة من هذا الاتفاق. ويأمل الجانبان في رفع قيمة التبادل التجاري من نحو 400 مليون دولار الى بليوني دولار سنوياً. وفي احتفال رسمي، قلد أحمدي نجاد الأسد أرفع وسام إيراني، الأمر الذي اعتبره الرئيس السوري تعبيراً عن المستوى الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين. وتبادل الرئيسان كلمات ودية في المراسم. وكان المعلم قال في تصريحات للإعلاميين السوريين إن العلاقات السورية - الإيرانية «عميقة الجذور وهي ليست طارئة. ضربت جذورها في الأرض منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران. والتنسيق مستمر في المجالات المختلفة». وأضاف إن المحادثات تناولت الأوضاع السياسية في المنطقة والعلاقات الثنائية وتوقيع اتفاق التجارة الحرة، قائلاً: «هكذا تكتمل اتفاقات التجارة الحرة بين سورية وكل من تركيا والأردن وإيران. ونأمل في المستقبل القريب في أن تشمل العراق»، مع الإشارة الى انه انتقل أمس من طهران الى اللاذقية للمشاركة في الاجتماع الوزاري للمجلس الاستراتيجي السوري - التركي الذي يعقد اليوم برئاسة معاون نائب الرئيس السوري حسن توركماني ووزير الخارجية التركي احمد داود أوغلو. وزاد المعلم أن المحادثات السورية - الإيرانية «تطرقت الى الوضع في العراق. وكانت وجهات النظر أن القيادة العراقية قادرة على أن تتفق في ما بينها لاختيار قياداتها السياسية من دون تدخل خارجي، وأن تكون هذه القيادات على وعي بتحقيق وحدة العراق وسيادته، وأن تقوم علاقات طيبة مع كل دول الجوار». وقال رداً على سؤال ل «الحياة» إن الكتل البرلمانية العراقية توافقت أول من أمس على مرشح لرئاسة الوزراء هو نوري المالكي، موضحاً: «لا نبحث بالأسماء. كل ما نأمل هو تشكيل حكومة وحدة تشارك فيها كل القوائم العراقية المنتخبة لرسم مستقبل العراق، بما فيه القائمة العراقية» برئاسة اياد علاوي. وسألته «الحياة» عن المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، فأجاب المعلم: «كان التقويم مشتركاً سورياً - إيرانياً أن هذه المفاوضات عبثية. السبب بسيط لأن الممارسات على الأرض التي تقوم بها إسرائيل تؤكد أن إسرائيل ليست في وارد في صنع السلام». وأضاف رداً على سؤال آخر: «لا يوجد تناقض على الإطلاق بين التفاهم السوري - السعودي وبين التفاهم السوري - الإيراني. كلاهما يسعى ويعمل من أجل تحقيق واستقرار المنطقة».