شكلت الموشحات والأغاني الشعبية وألحان الأخوين رحباني وزكي ناصيف المحيط الموسيقي لعازف العود والمؤلف اللبناني شربل روحانا الذي حل ضيفاً على ملتقى مصر الأول للعود. وعن هذه التجربة يقول ل «الحياة»: «تلك هي المادة الخصبة التي عشتها في صباي في بلدتي عمشيت في الشمال اللبناني، وبالطبع ما كانت تسمعه العائلة، وكون الموسيقي مرسيل خليفة ابن خالتي. لم نكن صديقين بالمعنى المعروف فهو يكبرني بنحو 15 سنة ولكنه دفعني واستفدت منه وكنت في ذلك الوقت أغني معه في كورال نادي القرية». ويضيف: «في مرحلة لاحقة، صرت أستمع الى أعمال تتخطى هذا المحيط، فوقعت في غرام أغاني أم كلثوم وكذلك عبد الوهاب وسيد درويش». ويرى روحانا أن أحداً من هؤلاء لم يؤثر في فكره وأسلوبه الموسيقي في شكل مباشر «لأن كل هؤلاء الموسيقيين والمطربين تجربة ثرية وملهمة، تستوقفك تيمة هنا أو جملة هناك، المهم أنك لا تعدو كما كنت من قبل، هم يشكلون مخزوناً من الموسيقى والإحساس والفكر يضاف إلى رصيد الفنان ويسهم في صوغ وعيه وأسلوبه في ما بعد». ويواصل شربل قائلاً: «درست عزف العود والعلوم الموسيقية في جامعة الروح القدس والمعهد الوطني للموسيقى في لبنان وكانت نقلة في حياتي، من الضيعة إلى بيروت حيث الصخب والتقاء تيارات وأفكار مختلفة، ومن خلال الاتصال المباشر مع الوسط الفني أخذ وعيي الموسيقي ينضج وتبدو ملامحه والطريق الذي بالفعل سرت في أثره». ويشير روحانا إلى وضعه منهاجاً للعزف على العود، يطبقه بعد أن صار مدرساً في الجامعة والمعهد اللذين تخرج فيهما وغيرهما، حيث يرتكز المنهج إلى الجمع بين الطريقتين المعروفتين وهما التلقين الشفوي وهو يأخذ وقتاً ومجهوداً حتى تصل المعلومة، والأخرى من طريق الاستعانة بالنوتة وهي أدق وأسرع وكلاهما يفضي إلى تخريج عازف جيد. ويوضح روحانا أن العزف الجماعي يحتاج الى أساليب أخرى تعتمد على الاستماع للآخر والتنسيق معه لخلق حوار ويقوم هو بإبداء ملاحظاته إيقاعياً وتنغيماً. وطبق روحانا هذا الأسلوب في الورشة التي أقامها في ثاني أيام ملتقى العود. وفي الجزء الثاني من حفلته في ختام الملتقى. وخاض روحانا تجربة العزف الجماعي في ألبومه الأخير «قبل الدوزان» مع إيلي خوري. ويشدد على ضرورة الاتصال مع الموروث والاستماع والحفظ من دون أن يستبعد إمكان الاستعانة بوسائط تكنولوجية كالفيديو في المستقبل حيث لم يعد هناك وقت كافٍ لدى الجميع. وتحدث روحانا عن ملتقى مصر الأول للعود معتبراً لقاء هذا العدد من العازفين والصناع والباحثين ومن مختلف المدارس والاتجاهات، شيء ممتع ومفيد لفنان يتعاطي مع العود سمعياً وتقنياً مثله، آملاً بأن تتواصل تلك الملتقيات حتى لا ينزوي العود في حال متحفية، بل أن يقود العود مستقبلنا الموسيقي ولا يقل عن دور أي آلة مثل البيانو والكمان التي تعتمد عليها الاوركسترات الكبيرة. ويرفض روحانا ما أشيع حول سيطرة المدرسة العراقية على وقائع الملتقى ودور نصير شمة في ذلك، لأن كل مدارس العود كانت ممثلة، من التركي واللبناني والتونسي وبالطبع المصري، ولولا انسحاب اليمني أحمد فتحي في آخر لحظة لكان الملتقى تجمعاً لأهم عازفي العود وصناعه في العالم. ويذكر أيضاً العازف المصري الكفيف محمد سعيد وما قدمه من موسيقى تدخل في إطار التجريب بجرأة وشجاعة من دون إغفال شخصيته المنغمسة في الموسيقى الصوفية وأيضاً التونسي باسم اليوسفي وتعبيره عن طعم العود في المغرب العربي وجو «المالوف» والموشحات الأندلسية. وتمنى شربل أن تنفذ أي توصيات تخرج عن الملتقى، مشيداً بما أقدم عليه مؤسس الملتقى نصير شمة بإسناد تنظيمه إلى لجنة تضم الدكتور حسين صابر وإدارة الأوبرا. وتطرق إلى تعاونه مع فرقة «عبد الحليم كركلا» في وضع موسيقى لمسرحيات الفرقة مثل «الأندلس والمجد الضائع» و «ليلة قمر» وكونها تجربة ممتعة. وفي مجال عمله بالموسيقي التصويرية لبعض الأعمال الدرامية، يوضح أن معظم هذه الأعمال كانت مع المخرج السوري نجدة آنزور في «فارس بني مروان» و «حور العين» و «سقف العالم»، وأخيراً «ذاكرة الجسد». ويقول: «كنت قرأت قصة أحلام مستغانمي ودخلت في جو العمل وعملت فيه على ملامح من الموسيقى الجزائرية والفرنسية من دون أن تذوب شخصيتي فيهما». وطبق روحانا في آخر ألبوماته «قبل الدوزان» منهج العزف الجماعي مع إيلي خوري وقدما حفلات عدة في لبنان وسورية. ويرى روحانا أن التأليف الموسيقي هو نافذة الفنان إلى العالم ورؤيته له من خلالها.