تلهث الهند لإنجاز ترتيبات استضافة دورة ألعاب الكومنولث ال19، التي يفتتحها ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز غدا الأحد في نيودلهي، معلنة حال طوارئ لمواجهة ظروف كثيرة لم تصب في مصلحتها خلال الأيام الأخيرة. ومع بدء توافد البعثات المشاركة المنتظر أن يبلغ عدد لاعبيها وإدارييها حوالى 7 آلاف شخص يمثلون 71 بلداً، تسابق السلطات الزمن للانتهاء من الاستعدادات وسط شكاوى جعلت فرقاً كثيرة تؤجل موعد حضورها ونجوماً من الصف الأول يعتذرون عن المشاركة. وعلى رغم ان الدورة المتوقع أن تتعدى تكاليفها 3 بلايين دولار، وهي الأبرز والأكبر في الهند منذ احتضانها الألعاب الآسيوية عام 1982، تستهدف تحسين صورة البلاد كقوة صاعدة (ثالث أكبر اقتصاد في آسيا) وفرصة لاستئناف حوار مع الجارة باكستان، لكنها تحولت مصدر إحراج للحكومة التي يتعين عليها أن تتعامل مع انتقادات بسبب الإنشاءات غير المطابقة للمواصفات وعدم كفاية إجراءات الأمن ووسائل الإقامة غير الملائمة، فضلاً عن تدابير إغاثة بعدما تدهور مستوى الخدمات بسبب الفيضانات في مناطق عدة من البلاد. وسجلت في الأسبوعين الماضيين أحداث دراماتيكية رفعت من درجة الإنذار، منها انهيار جسر في طور البناء يصل ستاد «جواهر آل نهرو» مسرح افتتاح الألعاب وموقف السيارات المحاذي، ما أدى إلى جرح 20 عاملاً. وكانت لجنة مكلفة من الحكومة بمعاينة معايير التنظيم دقت ناقوس الخطر في تموز (يوليو) الماضي بسبب عدم مطابقة ما أنجز من منشآت الحد الأدنى من الشروط، وإن بعض كفالات الضمانة والمتانة لنوعية التجهيزات مشكوك فيها أو مزورة. أما قرية الرياضيين فبدت حالها مزرية للغاية، مهملات وقاذورات وروائح كريهة ومياه آسنة وحشرات وكلاب شاردة. وبث تلفزيون إسترالي شريطاً صوره كشف من خلاله ضعف الإجراءات الأمنية في مواقع الدورة، إذ أظهر مشاهد إدخاله مواد يمكن استخدامها في تصنيع متفجرات وقنابل، من دون أن يكشفها المكلفون بالأمن. في المقابل، كثفت السلطات «اجتماعات الأزمة» لمعالجة الأمور الطارئة، ونظمت للصحافة جولة على مرافق الدورة للاطلاع على حسن سير الأمور في ضوء الوعود التي قطعتها، بعدما زجت بمهندسين من الجيش وألف عامل اضافي لتعويض التأخير في الأعمال المقررة. وأفادت صحيفة «صندي إكسبريس» بأن جماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» تخطط لقتل واختطاف رياضيين ومشجعين بريطانيين. وكشفت أن بلداناً مشاركة عبّرت عن قلقها من التهديد، وكلّفت وحدات من قواتها الأمنية العمل إلى جانب نظرائها من كندا وأستراليا ونيوزيلندا لحماية رياضييها، فيما طلبت أستراليا من مشجعيها عدم إرتداء الألوان الوطنية. ومن الطرائف والغرائب التنظيمية، ما أوردته صحيفة «ذي ديلي تلغراف» أن المنظمين استعانوا بقرود «لانغور» التي تتمتع بدرجة عالية من الذكاء، وبعدوانية أيضاً، وهي فعالة بدرجة كبيرة في منع الحيوانات الأخرى من «الاستيلاء» على أماكن الإقامة، كي تجوب الملاعب وقرية الرياضيين لتخويف الحيوانات البرية الأخرى، بما في ذلك القرود الأخرى والكلاب وحتى الأفاعي، من الاقتراب من أماكن الفعاليات. وجُنّد مروضو هذه القرود من أنحاء نيودلهي للقيام بدوريات في أماكن إقامة الرياضيين، ما حدا برئيس اتحاد ألعاب الكومنولث مايكل فينيل، إلى القول خلال الجولة الإعلامية قبل أيام: «المنطقة نظيفة تماماً، يبدو أنهم قتلوا الكلاب الشاردة». وكانت أمطار موسمية غزيرة سببت فيضاناً قرب قرية الألعاب، ما أدى إلى خروج كثير من الثعابين من أوكارها بحثاً عن مأوى لها. كذلك شعر المنظمون بالقلق من وصول مجموعات من القرود البرية التي كانت تسبب إزعاجاً في الجوار بسرقة الطعام ومهاجمة الناس. وكشف العالم الغربي عن نفاق «يتميز» به حين تكون الأمور لغير مصلحته. فقد ذكر تقرير بثته شبكة «سي إن إن» أن الدورة «مسرح» لتنامي ظاهرة عمالة الأطفال فيما أسمته جوانب قبيحة تتعلق بالرياضة والإنسانية والطفولة، مشيرة إلى أن الوقوف في موقع بناء أحد المرافق الرياضية يكشف عن مأساة عمالة الأطفال في هذا الجزء من العالم. وأشار التقرير إلى أن العاملين فى هذه المواقع ينقلون أبناءهم معهم أينما ذهبوا، إذ لا مكان آخر للجوء إليه، وإن أطفالاً يجلسون في موقع العمل، حيث تتطاير مسامير وأدوات حادة، وتمر مركبات مسرعة كثيرة. غير أن هناك أطفالاً آخرين يضطرون إلى العمل من دون مقابل، حتى يساعدوا ذويهم بعد المدرسة. وخلص التقرير إلى أنه مع استمرار مثل هذا المشهد فى الهند يؤكد مراقبون أن فرصة البلاد في الصعود كقوة عالمية اقتصادية تبقى ضئيلة للغاية. لكنه تناسى أن أدوات رياضية كثيرة، منها كرات القدم، تصنّع في بلدان فقيرة على أيدي أطفال مكانهم الطبيعي المدرسة، وأنه حين منحت الهند «شرف تنظيم» الدورة لم يكن يؤمل أن تتبدل أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية رأساً على عقب. لكن «أكبر ديموقراطية في العالم» تأمل أن يسود أيام الدورة، التي تختتم في 14 تشرين الأول (أكتوبر)، شعارها الدائم «المنافسة هي الأساس، الصداقة هي أولوية».