كأنها من كوكب آخر ومن زمن آخر، تلك الصور الآتية الينا من مؤتمر «حزب العمال» المنعقد في بيونغيانغ، عاصمة كوريا الشمالية. جيلنا اعتاد أن يرى مشاهد كهذه لقادة الكرملين، من امثال الرفاق بريجنيف وكوسيغين وغروميكو، ايام الاتحاد السوفياتي الراحل، يصطفون جنباً الى جنب من فوق ذلك الجدار المطل على العرض العسكري للجيش الأحمر. يصفقون معاً. يبتسمون معاً. يرفعون ايديهم بالتحية معاً. جيلنا اعتاد ايضاً مشاهدة ما كانت تسمح به وكالة انباء الصين الرسمية من صور لماو ورفاقه الميامين وهم يستعرضون انفسهم امام مؤتمرات الحزب الشيوعي الصيني. لكن الزمن تغير، وموسكو وبكين تغيرتا، وباتت صور كتلك ملكاً للتاريخ. لذلك بات ضرورياً الحفاظ على هذا النموذج الرائع في الإعلام وفي السياسة الذي توفره كوريا الشمالية اليوم، لأنه فعلاً نموذج فريد في عصره واستثنائي. فحتى الرفيق فيديل الذي قرر اخيراً ان يتحول الى صحافي، وأن يسمح لجزيرته بالتعامل بالدولار الأميركي، لم يعد يوفر هذه الفرصة الممتعة من استنساخ الأعضاء والقيادات، بل بات اشد صراحة في انتقاد الرفاق الممانعين حول العالم، كما فعل مؤخراً مع الرئيس الإيراني، من دون ان يخجل من ارتكاب هذا الانتقاد على صفحات مطبوعة «امبريالية». لذلك لم يكن هناك ما يثير الغرابة في قيام «جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية» (لاحظ سقوط كلمة اشتراكية سهواً من الإسم) بترقية كيم جونغ اون نجل «الزعيم المحبوب» كيم جونغ ايل على الطريق للحلول مكان والده العليل عندما تدعو الحاجة. اذ أين يمكن ان تنتقل السلطة بالوراثة وبهذه الطريقة السلسة الا في «الجمهوريات الديموقراطية والشعبية»؟ خصوصاً ان عمر هذا النجل الموهوب (27 سنة)، الذي يقال انه تلقى شيئاً من الدراسة في سويسرا، (أي في الغرب!)، لم يمنعه من القفز الى هذا الموقع القيادي، ولم يحرج رفاقه في «حزب العمال»، ويضطرهم الى تعديل الدستور لإفساح المجال امام «الجمهورية الديموقراطية» للاستفادة من كفاءاته. غير ان في هذه الجمهورية اعتبارات اخرى للتوريث كان لا بد من اخذها في الاعتبار. منها مثلاً ان شقيقة كيم جونغ ايل، واسمها كيم كيونغ هوي، تحتاج الى ترقية هي ايضاً. لذلك تمت ترقيتها الى رتبة جنرال بأربع نجوم اسوة بابن شقيقها، اما سبب هذه الترقية فهو خوف كيم جونغ ايل من النفوذ الكبير الذي يملكه صهره جانغ سونغ تايك، نائب رئيس مفوضية الدفاع في الحزب، والذي ينتظر ان يكون نفوذه كبيراً في مرحلة انتقال السلطة. كان يمكن ان يوفر حديث الخلافة في كوريا الشمالية فرصة للتندر، لولا اننا نتحدث عن بلد من 23 مليون شخص، يعيش اكثر من تسعين بالمئة منهم تحت خط الفقر، وتقول التقارير ان الفارق الاقتصادي بينه وبين جارته الجنوبية يتجاوز بمئة مرة ما كان عليه بين الألمانيتين الشرقية والغربية. على رغم ذلك لا تجد هذه «الجمهورية» هماً سوى استعداء العالم لها والمضي في تصنيع السلاح النووي وتوزيعه على المناضلين حيثما تيسّر. ولم يرد في التقارير الصحافية التي نقلت اعمال المؤتمر الاستثنائي الذي عقده «حزب العمال» ما يشير الى اي اهتمام بتلك الأوضاع الاقتصادية البائسة، او بالسعي الى حلول لها. كم تتحول تعابير مثل الديموقراطية والجمهورية والاشتراكية الى تعابير مبتذلة بلا معنى، لا تثير سوى السخرية، على يد أنظمة من هذا النوع الذي نتحدث عنه؟