المتشائمون في بلد التوتر العالي القابع رغماً عنه على خط الزلازل الإقليمية، لا يرون موجبات كافية لتعديل كفة ترجيح الهزات المفاجئة التي ستشيع اضطراباً في لبنان غير محسوب النتائج، على صعيد صمود الدولة والقدرة على ضبط الشارع. وإن كان آخرون، في خضم صراع السياسات والألوان المتناحرة على الأرض وفي الفضاء - تطلعاً الى الدولة «القادرة» - يرون العجز عن ترقب ما هو متوقع إذا تحققت تمنيات المعارضة وأحلامها، قِصراً في الخيال، في بلد كل شيء فيه مباح، وكل سياسة مستباحة، فالأهم ان تحذير الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله من «عمل أمني إسرائيلي» محتمل، فُسِّر تحذيراً من تفجير أمني أُولى نتائجه نسف الانتخابات النيابية. فمن المستفيد من إطاحة الاقتراع، إذا كانت الأكثرية مطمئنة الى شعبيتها، مستثمرةً في شارعها استعادة نصرالله ذكرى «يوم مجيد» يومَ سيطر «حزب الله» على بيروت... وإذا كانت المعارضة التي تحتكر غالبية السلاح واثقة بقدرتها على قطف غالبية المقاعد البرلمانية؟ ولا تقل عن الحذر من التفجير، تلك الريبة التي يثيرها التلويح ب «تجربة جديدة في الحكم»، وتلميح «حزب الله» الى عدم استبعاده النظر في تعديل الدستور، بعدما أصر على اتهام قوى 14 آذار باختراع سعي المعارضة الى المثالثة بدلاً من المناصفة (اتفاق الطائف). أبعد من التكهنات أو الإشاعات التي قد يُتهم بها طرف ما، من باب التهويل لاستهداف إقبال ناخبي الطرف الخصم على صناديق الاقتراع، ليس من فراغٍ التساؤل عما اذا كانت الانتخابات اللبنانية لا تزال خياراً أول، أم تراجعت الى خيار ثان. الأول اقتضته تهدئة إقليمية، استوجبت ضبط إيقاع التوتر في لبنان لتمرير هذه الانتخابات، فيما الثاني يفترض إعادة البلد الى دور الساحة مرحلياً، ما دامت مفاعيل اتفاق الدوحة ستصبح ملغية عملياً في موعد الانتخاب. وأما العوامل المرجحة لإحياء دور الساحة إقليمياً، فتبدأ بحاجة حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف بزعامة بنيامين نتانياهو الى خلط الأوراق في الشرق الأوسط لتخفيف الضغوط الأميركية على الدولة العبرية، بعدما تأكد عمق خلافاتها مع إدارة الرئيس باراك أوباما، خصوصاً حول كيفية ضبط الحوار المرتقب بين واشنطن وطهران (الملف النووي)، وتجميد الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. وأما انفعال مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي وهو يجدد حملته على «التآمر الأميركي»، فإن كان يترك صدى انتخابياً لمصلحة محمود أحمدي نجاد في الاقتراع الرئاسي الذي تبعده ايام عن الاقتراع اللبناني في حزيران (يونيو)، فالأكيد ان تأجيل الولاياتالمتحدة الضوء الأخضر لدور إيراني في أفغانستان، وجّه رسالة متشددة الى المرشد بأن لا مكافآت أميركية لطهران بشيك على بياض، قبل إبدائها تجاوباً في الحوار. طرف ثالث ينفعل، إذ تحيي إسرائيل لهجة طويت في الحديث عن احتمالات السلام مع سورية، وتشكك في نيات دمشق التي لم تعد ترى شريكاً مؤهلاً له. ومن لبنان الى سورية وإيران، إذ يتوارى سريعاً الاحتفاء ب «هزيمة مشروع جورج بوش»، وينحسر «استرخاء المنتصر»، تتجدد لغة الغضب والقلق، ومعها تساؤلات من نوع هل يقدم نتانياهو على ضرب حلفاء إيران وامتداداتها في المنطقة، طالما ضرب «الرأس» مؤجل بقرار أميركي؟ ... ولماذا يستعجل الرئيس الفلسطيني محمود عباس تشكيل حكومة، إن لم يكن استعداداً للتكيف مع تحولات إقليمية أو مواجهة؟ ... ولماذا تستعجل قوى 8 آذار حملاتها على الرئيس ميشال سليمان، قبل ان يظهر خيط الاعتدال من الوسط، في مواجهة «انتصار» دعاة «الجمهورية الثالثة»... أوليس الانفعال من سمات المرتبك، ولو جاهر بثقة مفرطة بأن الآتي لن يكون إلا في مصلحة الدولة «القادرة»، ولو أوحى بعضهم بالقدرة على منع انتحار جمهورية؟ بلد التوتر العالي، مجدداً أمام مصيره، تُجرى الانتخابات أم تتعطل؟ الأكيد ان أحداً في لبنان لا يمكنه ادعاء القدرة على صد الرياح الإقليمية، والأهم إرضاء جميع اللاعبين وإرضاء كل مشاريعه، وإنقاذ البلد في آن... وإحصاء جمهوريات.