أسجل احتجاجي على قراء يعارضون الحكم في مصر وهذا حقهم، ثم يتجاوزون ما أكتب وينسبون اليّ ما لم أقل، ولا حق لهم في ذلك أبداً. رأيي في كل الدول العربية من دون استثناء أنها غير ديموقراطية ولا حكم قانون مستقلاً أو شفافية أو حقوق امرأة فيها. كيف يكون هذا رأيي المسجل مرة بعد مرة وأنا أُتهم بتأييد هذا النظام أو ذاك لمجرد أن القارئ معارض ولا أشاركه رأيه؟ في مصر رشحت للرئاسة كثيرين مع الأخ جمال مبارك الذي يحق له الترشيح، وكان بين الذين رشحتهم رجال من النظام وآخرون معارضون معلنون، ورأى قراء أسماء الموالين وتجاوزوا المعارضين لأن ذلك لا يناسبهم. ثمة نقطة في علاقتي بالقراء تكاد لا تختفي حتى تعود، هي اطلاق التهم، سواء صدقاً أو جزافاً. «الحياة» مقرها الرئيسي في لندن، ورئيس تحريرها وبعض مديري التحرير وكبار المحررين وأنا معهم نقيم في لندن، ونخضع والجريدة للقانون البريطاني. ومثل يغني عن شرح، فقارئ بعث اليّ برسالة عن وزير «حرامي»، ثم اعترض في رسالة لاحقة لأنني اهملت الاشارة الى لصوصية الوزير. أستطيع أن أقول عن انسان إنه لص إذا كنت أملك دليلاً قاطعاً على أنه سرق، وهذا يعني أن أبرز السرقة أمام المحكمة، لأنه سيقاضيني حتماً، أو أبرز تحويلات الفلوس التي قبضها في عملية فساد. وبالنسبة الى النقطة الأخيرة، فإبراز شيك من شركة أعطاها الوزير عقداً غير قانوني لا يعني شيئاً، لأنه قد يقول إن الشيك مزور وكتب لتشويه سمعته «العطرة» عمداً. والمحكمة ستقبل الشيك دليلاً إذا أثبت أنه دخل حساباً يملكه الوزير، ما يدخلنا في الاستحالة، فالوزير الفاسد لا بد من ان عنده أكثر من حساب في بلدان عدة، أو عنده حساباً باسم شخص آخر. ما سبق يعني أن إطلاق التهمة سيضمن أن يكسب الوزير بالقانون كما كسب باللصوصية، لأنه سيحصل على تعويض من الجريدة، قد يكون بمئة ألف جنيه أو أضعافها، وأهم من ذلك أن الطرف الخاسر يدفع نفقات المحامين، وهي في مثل هذه القضايا في لندن قد تتجاوز بسهولة نصف مليون جنيه أو مليون جنيه. وفي قضية رفعت عليّ في لندن قبل سنوات وربحتها بلغت نفقات المحامين 850 ألف جنيه، دفعها الطرف الخاسر. أرجو أن يفهم القارئ العربي أنني أقيم في بلد قانون لا بلده، وبريطانيا تحديداً لها شهرة أنها مقصد «سياحة القدح والذم» لأن قوانينها متشددة في حماية الناس، وفوز المتهم بقضية فيها أسهل كثيراً من فوزه بها في الولاياتالمتحدة، حيث التعديل الأول للدستور يضمن حرية الكلام، الى درجة الاعتداء على حريات الآخرين في رأيي الشخصي. ثم ان القانون الأميركي يطلب أن يثبت رافع القضية أن ما قيل عنه سبّب له خسارة مالية، مثل أن يُطرد من عمله، أو يُسحب عقد من شركته، ليحصل على تعويض يعادل ما خسر. أعتقد أنني أكتب شيئاً واضحاً، ومن دون أن أدخِل القارئ في متاهات قانونية. وأبقى مع اطلاق التهم، ولكن من زاوية أخرى تتكرر في التواصل مع القراء، ولكل منهم الحق في أن يتفق معي في الرأي أو يختلف، فالمستقبل فقط سيثبت من أخطأ ومن أصاب. غير أن حق القارئ في المعارضة والمخالفة والرفض لا يشمل إتهام الآخرين بالخيانة أو الاستسلام أو التآمر. أبو مازن يفاوض اسرائيل ورأيي المسجل مرة بعد مرة، أن المفاوضات بين الرئيس الفلسطيني والحكومة الفاشستية الإسرائيلية ستفشل في النهاية، وأن أبو مازن لن يتخلى عن الثوابت، وهي تحديداً القدس العربية، أي القدس الأصلية الحقيقية، وحدود 4/6/1967، وحل قضية اللاجئين (لا أقول عودتهم جميعاً لأن عودة ثلاثة ملايين فلسطيني ستعني نهاية اسرائيل، والمبادرة العربية تتحدث عن حل يقبل به الطرفان لا عودة)، وبعد هذا قيام دولة فلسطينية مستقلة. هناك الآن رهان (جنتلمان لا فلوس) بيني وبين عدد من القراء، والفائز يبقى في ضمير الغيب، الا أنني، وحتى ذلك الحين، أرفض اطلاقاً أن يُتهم أبو مازن بالخيانة أو الاستسلام أو التسليم، وهو يفاوض ولم يوقع شيئاً. لو فعل، لا سمح الله، فسأكون مع القراء المتّهِمِين ضد أبو مازن، ولكن لا يجوز تخوين الرجل على الشبهة أو على موقف مستقبلي لم يحدث بعد. يا إخوان وجهوا سهامكم الى الإسرائيلي لا الى المفاوض العربي أو المقاوم. وأشكر القارئ أبو اسماعيل على دقّته، فهو عاد الى ما كتبت في هذه الزاوية في الرابع من تموز (يوليو) الماضي عن أن أبو مازن لن يفاوض مع عودة البناء في المستوطنات، وقال: «وقد عشنا ورأينا أبو مازن يذهب الى المفاوضات المباشرة...». غير أن الأخ أبو اسماعيل أغفل نقطة أساسية هي أن أبو مازن ذهب الى التفاوض وهناك اعلان اسرائيلي رسمي عن وقف البناء عشرة شهور تنتهي بنهاية هذا الشهر، فيكون أبو مازن فاوض والبناء متوقف، وسنرى هل يظل يفاوض إذا استؤنف البناء في المستوطنات. المفاوضات ستفشل، ولا مقاومة حقيقية هناك، بل مرحلة انعدام وزن، وزن الأمة كلها. [email protected]