يؤكد مسؤولون صوماليون أن الخلافات المستمرة بين كبار قادة البلاد، وعواقبها من غياب الاستمرارية وضعف اداء المؤسسات الرسمية، تشكل تهديداً لوجود الحكومة الانتقالية الهشة لا يقل خطورة عن هجمات المسلحين الإسلاميين العازمين على إطاحتها. ولا تواجه الحكومة تهديداً حقيقياً لإطاحتها طالما بقيت قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الافريقي في الصومال مع أسلحتها الثقيلة التي تفوق ما لدى المتمردين الإسلاميين الذين يعانون بين آن وآخر من نقص في الإمدادات العسكرية، كلما خاضوا معركة طويلة مثلما حصل الشهر الماضي. وكان رئيس الوزراء عبدالرشيد علي شرماركي استقال الثلثاء الماضي بعد خلافات استمرت طويلاً مع الرئيس شريف شيخ أحمد. وكشف عدد من المسؤوليين الصوماليين الذين تحدثت إليهم «الحياة» أنه حتى بعد نحو ست سنوات من تشكيل الحكومة، فإن غالبية وزاراتها ال 39 ليست لديها مكاتب خاصة بها. وعلى سبيل المثال، اضطر وزير التأهيل والشؤون الإجتماعية محمد عمر طلحة الذي عُيّن في حزيران (يونيو) الماضي بعد تعديل وزاري، إلى تأسيس «مقر» لوزارته من ماله الخاص الذي اشترى منه أيضاً سيارة لتنقلاته اثر توليه المنصب، لكنه حتى اليوم يتحرك بلا حارس شخصي رسمي يحميه من ويلات مدينة هي الأخطر في العالم. ويشير طلحة الذي يحتاج إلى 33 ألف دولار لإعداد مكاتب لوزارته و17 ألف دولار شهرياً لإدارتها، إلى أن إستقالة شرماركي عرقلت جهوده. ويقول: «كنت أحاول أن أضع الأساس لوزارة فعالة، لكن كل شيء متوقف الآن... مُنعت من ري شجرة ذابلة الأوراق أصلاً». وتشكل مشاكل وزارة الشؤون الإجتماعية نموذجاً لما تعانيه وزارات كثيرة في الحكومة المضعضة أصلاً التي تواجه مسلحين إسلاميين أحكموا سيطرتهم على جل مناطق وسط البلاد وجنوبها، بما في ذلك 80 في المئة من العاصمة مقديشو. ويقول وزير التعليم العالي علي جامع جينغلي إن «جميع الوزارات تعمل في شكل موقت، لأن حالة الأمن تؤثر في كل شيء... إذا كانت هناك حرب في المدينة، فإن موظفي الوزارة لا يحضرون للعمل لأن حافلات النقل ستتوقف. وإذا كانت هناك حرب جارية، فإن المال يوجه إليها». ومثل طلحة، فإن الوزير جينغلي يقود سيارة اشتراها من ماله الخاص الذي يدفع منه أيضاً فاتورة حراسته. وكانت عمليات تأسيس مكتب لوزارته بلغت مرحلة متقدمة عندما استقال شرماركي ليغرق الحكومة في مرحلة حرجة. ويقول جينغلي إن وزارته تنقلت بين أربعة أماكن قبل نقلها أخيراً إلى مقر موقت قريب لمكتب الرئيس. ولم تبدأ مشاكل الحكومة الثلثاء الماضي عندما استقال شرماركي بعد خلاف حاد مع شيخ أحمد على مسودة دستور جديد أراد الأول المصادقة عليها عبر البرلمان والمجتمع المدني، بينما اقترح الرئيس عرضها على استفتاء شعبي بعد مشاورات واسعة مستفيضة. فهذه الحكومة التي ولدت ضعيفة العام 2004 في نيروبي وشلتها خلافات عويصة بين الرؤساء ورؤساء الوزارء وبين السلطة التنفيذية والتشريعية، انتقلت بين جيبوتي وكينيا، ثم بين مدينتي جوهر وبيداوة الصوماليتين، قبل وصولها إلى مقديشو في نهاية العام 2006 عندما نجحت القوات الإثيوبية في طرد الإسلاميين من العاصمة. وابتسم وزير العلاقات الدولية السابق عبدالرحمن عبدالشكور ورسمي ساخراً، عندما سُئل عن وزن مسؤول كبير في الصومال، ثم قال: «إنه لا شيء. إذا لم تكن لديك الموازنة المناسبة والموظفون والأمن، فإنك لا شيء». وأضاف الرجل الذي استقال من منصبه في حزيران (يونيو) الماضي أنه حصل على موازنة ثلاثة أشهر فقط خلال 15 شهراً تولى خلالها الوزارة. ويتهم ورسمي الحكومة بالتقاعس عن تحقيق أولوياتها مثل إعادة الأمن إلى العاصمة والمصالحة مع معارضيها الإسلاميين ومعالجة الوضع الإنساني المأسوي في البلاد. ويوضح أن معظم الوزراء «يقضي يومه في غرفة تقوم مقام المكتب متحدثاً مع موظفيه الجائعين الذي يعيشون على أمل أن يدفع رئيسهم لهم رواتبهم يوماً ما. وبعدها يتجه الوزير إلى مكتب رئيس الوزراء أو الرئيس لتسول حاجات وزارته». وكان ورسمي من مهندسي اتفاق السلام الذي تمخضت عنه الحكومة الحالية بقيادة الإسلامي السابق شيخ أحمد الذي انشق عن زملائه العام 2008 ليقود محادثات سلام مع حكومة عبدالله يوسف الذي استقال أخيراً بعد ضغط دولي ومحلي ليفسح المجال لشيخ أحمد. وكانت حكومة يوسف تسيطر، على رغم ضعفها الداخلي الذي لازمها منذ إنشائها، على أجزاء واسعة من العاصمة إضافة إلى مدن أخرى في وسط البلاد وجنوبها، مثل مدينة بلدوين، حاضرة إقليم هيران. إلا أن حكومة شيخ أحمد فقدت كل هذه المناطق. كذلك، اشتدت وطأة المواجهات التي باتت شبه يومية بين القوات الحكومية المدعومة من قوات الاتحاد الأفريقي من جهة، ومقاتلي «حركة الشباب المجاهدين» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» و «الحزب الإسلامي» من جهة أخرى. وكان شاب مسلح بمسدس وقنبلة يدوية حاول اقتحام القصر الرئاسي الاثنين الماضي قبل أن يقتله الحرس، كما قتل مسلحان من «الشباب» 32 شخصاً بينهم 4 نواب الشهر الماضي عندما هاجما فندقاً يرتاده مسؤولون قرب القصر الرئاسي. وأثر ضعف المؤسسات في كل الدوائر الحكومية، إذ ليس غريباً أن ترى شرطياً يعاني من نقص الغذاء منتعلاً «شحاطة» ويحمل مسدساً قديماً وهو يتسكع في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أو يتمترس خلف أكياس رمل مرتدياً ملابس غير عسكرية بالية توحي بأنه من ميليشيات قبلية وليس عضواً في قوات نظامية. وبحسب تقرير من خبراء عسكرين من مجموعة «إيغاد» الإقليمية صدر في حزيران (يونيو) الماضي، فإن قوات الأمن الصومالية ليست لديها ثكنات أو مقرات، مما حمل هذه القوات على «المبيت حيث تجد مكاناً للإقامة». ويقر طلحة بهذا، مشبهاً الحكومة ب «النازحين». ويقول: «نعيش في خوف دائم. مسلحو الشباب وغيرهم يستهدفوننا لأننا وزراء في الحكومة، لكن ليس لدينا ما يدل على أننا مسؤولون، مثل المرتبات والحراس والسيارات الخاصة». وأضاف الوزير الذي يبيت في فندق كان مقر السفارة الصينية في الصومال سابقاً: «لم نستقر بعد. ولا أدري متى نستقر لنقوم بالأعمال الحقيقية».