«عندما أصبحت المؤسسات الإعلامية تبحث عن متعددي المواهب في مجال الإعلام، بات من الصعب العمل في تلك المؤسسات الدولية العريقة، لكن الصحافي المجدّ والجاد سيجد طريقه إلى هناك» كما يقول المذيع نور الدين زورقي الذي لا ينكر صعوبة العمل في «بي بي سي» لكنه في المقابل يجد فيها متعته المهنية التي تنسيه مشقة العمل. نور الدين زورقي ليس صحافياً فقط بل هو يعمل في الإخراج والترجمة والإعداد والتقديم وفوق كل ذلك تميزه خامة صوته وفصاحته عن كثر غيره من المذيعين. وهو من قام بالترجمة الفورية المباشرة لخطاب أوباما الموجه الى العالم الإسلامي في جامعة القاهرة وذلك لمصلحة تلفزيون وراديو «بي بي سي». كما قام بإعداد سلسلة «لحظات حاسمة» التي تحدثت عن أبرز الأحداث السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية التي طبعت مسيرة البشرية طيلة القرن العشرين. وليس ذلك فحسب بل إن زورقي هو من أعد وأخرج سلسلة «ملفات الحرب الباردة» وأيضا سلسلة «من وراء البحار» أحد أشهر سلاسل وثائقيات إذاعة «بي بي سي» العربية على الإطلاق والتي يرجع الفضل فيها إلى ما أسماه ثروة أرشيف «بي بي سي». زورقي خريج قسم القانون، دخل بلاط صاحبة الجلالة عندما عمل مذيعاً متدرباً ثم موظفاً في محطة «راديو سبكترم» في لندن وهي محطة خاصة للجاليات والتي كان قسمها العربي الأوفر حظاً من حيث ساعات البث. ويتذكر تلك المحطة كثير من زوار لندن «بخاصة إبان الاجتياح العراقي للكويت»، كما أن نور الدين عمل لفترة قصيرة مراسلاً للتلفزيون السعودي لدى قسم الشرق الأوسط في وكالة أنباء «Worldwide Television News» في لندن. بدايته مع «بي بي سي» كانت أثناء فترة دراسته الجامعية في بريطانيا حيث عمل متعاوناً مع دائرة المنوعات والبرامج العامة في مجموعة من البرامج منها «البرنامج المفتوح» و «مشاهد وأحداث» و «ساعة حرة» و «عالم الكتب». ومنذ عام 1993 أصبح نور الدين زورقي متفرغاً وهو ما يصفه ببداية حياته المهنية لعمله حيث عمل مخرجاً للنشرات والجولات الإخبارية في عالم الظهيرة والمساء، لينتهي به المطاف مقدماً للجولات الإخبارية في «العالم هذا الصباح» وأحد مقدمي برنامج «نقطة حوار» الذي يذاع ويبث عبر الراديو والتلفزيون. لكنه يعتبر أن أبرز ما يعتز به على الإطلاق هو دوره ضمن فريق برنامج «نقطة حوار» في إطلاق نمط جديد من تقاليد العمل الإذاعي تقوم على التفاعل بين الجمهور في قضايا وشؤون الساعة المختلفة بين السياسي والاجتماعي والإنساني. وعلى رغم ذلك لا ينكر زورقي التحدي الذي واجهه في بداياته وذلك ابان تميز «بي بي سي» عندما كانت في وضع متقدم في المشهد الإعلامي العالمي، حيث أصبحت «بي بي سي» أو إذاعة لندن مرادفاً للحقيقية والدقة في الخبر والمعلومة. لكنه يرى أن التحسن التدريجي لأوضاع حرية التعبير والنشر منذ انهيار المعسكر الشيوعي فرض ولا يزال يفرض تحديات كبيرة، غير أن «أسلوب التميز في البحث عن آراء أطراف كل قضية والاهتمام بخلفيات الأخبار وما يفعل في تعقيداتها بدلاً من مجرد البحث عن السبق أو الإثارة ضمن له تميُّزاً من حيث المصداقية لا يتأثر بتغيّر أو حتى ازدحام المشهد الإعلامي» كما يقول. ويجد زورقي أن اللحظة الأكثر تميزاً والتي لا يزال يذكرها في تجربته منذ انضمامه إلى «بي بي سي» قبل غيرها وذلك في ميدان الإعلام التفاعلي والجماهيري عندما جمع برنامج «نقطة حوار» في مكتب «بي بي سي» في القدس بين متحاورين فلسطينيين وإسرائيليين من الناس العاديين أخذوا يتجاذبون أطراف الحوار حول عام على إنجازات أوباما من أجل سلام الشرق الأوسط منذ مجيئه إلى البيت الأبيض. خالي الوفاض وعلى رغم عدم مواجهة نور مواقف خطرة في مسيرة عمله كصحافي إلا أنه يؤكد أن العمل الإعلامي لا يخلو من مخاطر. ويعتقد أن الخطر الكبير الذي يشغل باله دائماً هو الفشل في تقديم تغطية متوازنة حتى وإن كانت في مقابلة على الهواء لا تزيد على دقيقتين أو ثلاث والوصول إلى جميع أطراف القضية. فهذا في نظره الخطر الأكبر بالنسبة له كصحافي. ويؤكد نور أن 2005 كان نقطة التحول الأبرز في حياة العاملين في «بي بي سي» إذ أنه عام الاقتحام لدنيا الإعلام بفكرة التفاعل مع المستمعين والمشاهدين ومستخدمي الإنترنت. وعلى رغم ما وصل إليه نور الدين زورقي، إلا أنه لا يزال يحن كثيراً إلى التغطية الميدانية حيث سبق أن غطى عدداً من الأحداث تراوحت كما يراها بين الطريف والحاسم. ففي أواخر التسعينات غطى من الرباط رحيل الملك الحسن الثاني. وفي بيروت يرى أنه كانت له أطرف وأتعس تجربة ميدانية في آن واحد، فقد سنحت له فرصة لقاء زعماء دول مجموعة «الفرنكوفونية» من جاك شيراك والرئيس اللبناني والملك محمد السادس لكن حرص مسؤولي الأمن اللبنانيين على تطويق مقر القمة أمنياً في ضوء حساسية أوضاع وسط بيروت جعل نور الدين حبيس المركز الصحافي بحيث لم يكن يصله من القمة إلا قصاصات الوكالات حتى طار المؤتمرون عائدين كل إلى بلاده، وعاد هو من بيروت خالي الوفاض. وينبه الى أن على «بي بي سي» بذل المزيد للوصول إلى مستمعينا ومشاهدينا في السعودية بتناول الموضوعات التي تشغلهم وتهمهم، ومع ذلك فهو واثق من أن العدد في ازدياد مطرد ويجد في برنامج «نقطة حوار» أكبر شاهد على تواجد الجمهور السعودي في شكل مميز. وأشار إلى أنه لن يتميز الإعلامي إذا لم يحترم المتلقي، لأن ذلك يعني استهانة بكل من يتابعه وأن أكبر عيب يمكن أن يبتلى به صحافي أو إعلامي في عمله هو عدم الاكتراث بالمتلقي أو شطبه كهدف من حساب عمله الإعلامي. و «إن لم يحترم الصحافي المتلقي فعليه أن يتوقع معاملة بالمثل، وترتيباً على ذلك أرى أن أحد أسرار التميز الأخرى يكمن في الاقتراب دوماً من القضايا التي تهم الناس سواء أكانت قضايا ذات أبعاد إقليمية أو عالمية». وأشاد نور الدين زورقي أخيراً بالحضور النوعي للصحافيين السعوديين في الإعلام قائلاً إن هناك أسماء سعودية تميزت في الإذاعة مثل هدى الرشيد في «بي بي سي» وعلي الظفيري في قناة «الجزيرة».