إذا كانت السينما تشكل بالنسبة الى كثر من أهل السينما المشرقيين العرب، لا سيما من الذين يكتبون عن الأفلام وبخاصة عن مهرجاناتها الفنية، نوعاً من العمل المدر للأموال، فإن هذا الفن لا يزال يشكل، بالنسبة الى قلة من النقاد المشارقة، ولكن بخاصة بالنسبة الى معظم النقاد المغاربة - بالمعنى العريض للكلمة - هواية فنية وفكرية. وهذا ما يجعل الحركة النقدية في المغرب على وجه الخصوص، حركة مزدهرة، يخوضها نقاد ومحترفون وأهل سينما حقيقيون... ولكن بعض المبدعين الذين عرفوا بألوان أدبية وفنية أخرى. ومن هؤلاء، في المغرب الكاتب القصصي والناقد محمد اشويكة، الذي بعدما أصدر أعمالاً أدبية عرفت على نطاق لا بأس به، أصدر أخيراً كتاباً لافتاً عنوانه «أطروحات وتجارب حول السينما المغربية» (عن منشورات «دار التوحيدي» في الرباط). ينطلق اشويكه في كتابه السينمائي اللافت هذا، من فكرة مفادها «ان السينما لغة عالمية للتعبير ووسيلة فعالة للتواصل لا تعرف للحدود معنى» كما يقول المؤلف مستطرداً «أظن ان انطولوجيا الفيلم المغربي تتأسس على الفاعلين وعلى الموضوع سواء كان المخرج المغربي مقيماً في المغرب أم خارجه، وسواء كان رأس مال الانتاج مغربياً أم أجنبياً»، خالصاً إلا ان المهم في الأمر «خدمة الثقافة الوطنية». وعلى رغم ان صفحات الكتاب التي تربو على 120 صفحة من القطع الكبير، تضم أكثر من 20 مقالاً كتبت ونشرت أصلاً متفرقة، فإن جمعها هنا يعطيها مذاق العمل المتواصل لا سيما بالنسبة الى اهتمام المؤلف بشرح وتحليل الكثير من الأفلام المغربية التي حققت خلال السنوات الأخيرة، أي تحديداً خلال حقبة الطفرة التي تزامنت مع التجديدات التي أحدثها تسلم الناقد المعروف نور الدين صايل، لمقدرات الشأن السينمائي المغربي. صحيح ان المؤلف لا يزعم هنا ان الفضل كل الفضل يعود الى الصايل، ولكن من الواضح ان التحليلات في الكتاب تمت بصلة الى الديناميكية التي خلقها هذا الناقد. تتنوع دراسات الكتاب بين نصوص نظرية حول المصطلحات و «سؤال المؤلف» والسينما المغربية والأدب، و «الفن داخل السينما المغربية، وبين نصوص تطبيقية يتابع فيها المؤلف، كتمثيل على البعد النظري، في كتابه، نحو عشرين فيلماً مغربياً جديداً، من الأفلام التي حققت نجاحات وضجيجاً في الآونة الأخيرة. وهذا البعد النظري ثم العملي في الكتاب، يجعله مرجعاً لا غنى عنه لمن يريد دراسة السينما المغربية الحديثة، اضافة الى دراسة علاقة الحياة الثقافية المغربية، بالحياة السينمائية الناهضة في هذا البلد.