1 وهذا مغاير تماماً لنهج «شيخ الطريقة»، فإن «شيخ الشتيمة» هو رجل يعتلي المنبر ثم يبدأ طقوس العبادة، وعبادته لله هي شتم ولعن عباد الله... بل أخيار عباد الله من الصحابة وأمهات المؤمنين، ويبدأ الناس من خلفه يلعنون ويشتمون ويسبون تقرّباً إلى الله! وكأنهم سيساقون يوم القيامة ليساءلوا في الحساب: يا عبادي ماذا عملتم في دنياكم من العبادات وأعمال الخير؟ فيقول أحدهم: يا رب... لعنت فلانة وشتمت فلان. أو كأنهم سيُسألون، أول ما يُسالون يوم الحساب: يا عبادي تقربتم إليّ بالصوم والصلاة والقربات والطاعات، لكنكم لم تلعنوا فلانة ولم تشتموا فلان... فكيف تدخلون الجنة؟! 2 في موقع «المعصومون الأربعة عشر»، تحت عنوان: اللعن ضرورة عقائدية، كُتب ما يلي: «اتضح مما سبق أن اللعن من حيث الأصل مسألة عقائدية ضرورية، يحتاجها المجتمع المسلم لتكريس وتعميق الأصالة الإسلامية في واقعه واستخلاص الشوائب من داخله وإبراز الانزجار والتقزز من كل ما يمت إلى خط الشر والباطل بصلة كالكفار في الخارج والمنافقين في الداخل...، إنه تعبير عقائدي عن الحاجة إلى تعميق الفاصل النفسي والثقافي والأدبي في حياة الإنسان المسلم». هذا خطاب في عقيدة التلاعن! دعونا نستمع إلى خطاب آخر، هو الخطاب النبوي، إذ قال صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالسبّاب ولا بالطعان ولا باللعان) وقوله عليه الصلاة والسلام: (المؤمن لا يكون لعاناً) وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما بعثت سباباً ولا لعاناً). فأي الفريقين أحق بالصدق والاتباع؟! 3 ولأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قد تربى في بيت النبوة... البيت الخالي من اللعن والشتم، فقد روى الدينوري: (أنه لما بلغ علياً أن حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يُظهران شتم معاوية ولعن أهل الشام أرسل إليهما أن كفّا عما يبلغني عنكما. فأتياه فقالا: يا أمير المؤمنين ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى ورب الكعبة، قالوا: فلمَ تمنعنا من شتمهم ولعنهم؟ قال علي: كرهت لكم أن تكونوا شتامين لعانين، ولكن قولوا: اللهم أحقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم). إذاً هذا هو علي بن أبي طالب الذي يتلاعن هؤلاء الخرافيون المتطرفون باسمه وتقرباً في محبته، كرم الله وجهه ونزّهه عن سيرة التلاعن والتشاتم. والإنصاف يقتضي الإشارة الى أن المقطع «الجنوني» الوارد في الفقرة (2) والمقطع «العقلاني» الوارد في الفقرة (3) تم نقلهما من موقعين شيعيين متغايرين، وهو ما يوجب الحذر من جناية التعميم على كل أتباع الطائفة الشيعية بسوءات التطرف والإسفاف. 4 وكأن الشارع العربي والإسلامي تنقصه ثقافة التلاعن والتشاتم من السوقيين والشوارعيين وبعض السياسيين والمثقفين، حتى نؤصل شريعة التلاعن وعبادة التشاتم، ونُعيّن لها شيوخاً يعتلون منابر اللِعان؟! مخجل ومقزز أن يقال ذلك الكلام القبيح عن أي إنسان، فكيف وقد قيل في زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؟ مخالف ومصادم لأبجديات الدين الحكم بالنار على أي أحد من عامة الناس، فكيف به على أحد أفراد بيت رسول الله، زوجته الحبيبة إليه؟ اللهم إنا نتقرب إليك، لا بلعن ولا بشتم أحد، ولكن بحب رسول الله وأنبيائك أجمعين والصحابة المقربين وآل البيت الطاهرين... وبحب الناس أجمعين. 5 تُصرف ملايين الأموال وملايين الساعات في جهود التقريب بين المذاهب والحوار بين الأديان والتقارب بين الثقافات، ثم يأتي موقف تافه مأجور ليشتت هذه الجهود. آه، ما أقوى التافهين! * كاتب سعودي [email protected]