لم تؤدِّ الأنباء عن انخفاض قياسي بنسبة 27 في المئة خلال آب (أغسطس) الماضي، في مبيعات المساكن في الولاياتالمتحدة، إلى كارثة، بل على العكس. فبينما كانت أوراق المال تنخفض عموماً إثر نشر البيانات، كانت أسهم شركات بناء المساكن تشير إلى أمل بأن السوق قد بلغ ادنى حدٍّ في الانخفاض. لكن لا يمكن تأكيد التوقعات حول إمكان انتهاء التراجع المرتقب في مبيعات أيلول (سبتمبر) أو الخريف، بعد اكثر من اربع سنوات لسوق متدنية، وبرامج فيديرالية تؤجل التصحيح الذي لا بد منه. فالتدني في مبيعات المساكن جاء نتيجة الانتهاء من برنامج الإعفاء الضريبي بقيمة 8 آلاف دولار لمن يشتري مسكناً للمرة الأولى، ما أدى حتماً إلى زيادة مبيعات وحقق منفعة ضريبية أكبر إلى المواطنين. لذا نحن على مشارف انتعاش إسكاني، لن يتحقق بفضل تدخلات سياسيين أو بفضل مشيّدي المساكن الذين ساندوهم بشدة. فمشيّدو المساكن، يشكّلون، أسوة بسماسرة العقارات والمصارف، تكتلاً قوياً مهمته تأمين مساعدات فيديراليه أكبر للإسكان. وباستثناء الفقاعات الموقتة التي تسببت بها سياسة ماليه متهورة، فإن تصاعد أسعار المساكن مجرد مؤشر الى اقتصاد حيوي وليس سبباً. وفي الواقع، فإن السبب الحقيقي للنمو الاقتصادي ولمستويات معيشية أعلى، هو ازدياد الإنتاجية الذي يتحقق عندما تستثمر مجتمعات بحكمة في مجالات مثل التقنيات الجديدة والسبل الجديدة للقيام بالأعمال. والإسكان بكل بساطة أحد تلك المجالات. وفي حال استمرت أسعار المساكن في التدني، توجد أسباب عملية لتردد السياسيين في السعي إلى إطلاق برنامج آخر يهدف إلى إبقاء المشترين في منازل لا يستطيعون على الإطلاق تغطية تكلفتها. وعلى رغم الأحوال، لا يجد الاقتصاديون أن مثل هذه الخطوات تؤدي إلى إنخفاض حاد في الأسعار، فضلاً عن انخفاض الناتج المحلي، وأنها لا تشكل تهديداً لشركات المال التي راهنت إلى حد كبير وفي شكل متهور على القطاع العقاري. وعلى رغم سلسلة برامج فيديرالية، تدنت الأسعار بنسبة 30 في المئة تقريباً من أعلى مستوى لها، وأصيبت المصارف بأزمة، ولم يعد الإسكان محركاً لنمو الناتج المحلي. وفي إطار الجهود الرامية إلى إنقاذ مالكي المساكن الذين تخلفوا تماماً عن أداء موجباتهم، ما زال سبعة ملايين من مالكي المساكن متخلفين عن دفع مستحقاتهم أو في حالة حبس الرهن. لقد تم الترويج لبرنامج تعديلي لتأمين المسكن (HAMP) كسبيل لمساعدة ثلاثة أو اربعة ملايين مالك مسكن في تفادي حبس الرهن، عبر تعديل رهاناتهم، غير أن البرنامج طاول نصف مليون تعديل دائم وبات يراوح مكانه. ونتيجة لذلك، أصبح مواطنون كثر خارج البرنامج مقارنة مع الذين تلقوا تعديلات دائمة، فيما يسعى منتفعون مرتقبون جاهدين إلى تأمين المستندات المطلوبة. أما أسعار إعادة التقصير على الرهونات المعدلة فما زالت مرتفعه في شكل ملحوظ. وفي هذا الإطار لتعزيز النمو الاقتصادي، يحتاج المواطن فعلياً إلى وظائف، والاقتصاد إلى دعمها، ما يفسح في المجال أمام المستثمرين ليجدوا مجالات أكثر إنتاجية لأموالهم. * باحث إقتصادي