لم تكن بداية الفنان أحمد رزق في الدراما التلفزيونية قبل نحو عشر سنوات عبر مسلسل «الرجل الآخر» تشي بامتلاكه أدوات «الكوميديان» الموهوب فقط. ومن هنا نقول إن الصحافة الفنية أسبغت عليه الوصف قسراً بعد تجربته الاحترافية الأولى في مسرحية «الجميلة والوحشين» ثم فيلم «إسماعيلية رايح جاي». في المقابل، كان تجسيده المحترف لشخصية شاب متأخر عقلياً تشهد تركيبته النفسية تحولات عدة وردود أفعال متباينة، يؤكد مولد فنان شامل متمكن من أدواته التمثيلية وقادر على التلون مع كل شخصية تسند إليه سواء كوميدية أو تراجيدية. وباستعراض سريع لسجل رزق السينمائي والتلفزيوني، يلاحظ من اختياراته وجود رغبة قوية في عدم التقيد بعباءة الأدوار الكوميدية، على رغم ما يشاع دائماً من أن تغيير لون الممثل الفني يعني فشلاً مدوياً. يحاول ابن مدينة الإسكندرية التجريب مراراً وتكراراً بحثاً عن منطقة فنية جديدة تضيف الى تاريخه، متناسياً أي نجاح حققه لخوض غمار نجاح أكبر، إلا أنه يفتقد بوصلة الاختيارات الصحيحة سينمائياً، وهو ما أدركه عن جدارة في الدراما التلفزيونية حيث حققت معظم أعماله التلفزيونية نجاحاً ملحوظاً، فمن رصيد سبعة مسلسلات نجحت خمسة لاقت استحسان النقاد والجمهور على حد سواء. لقد عرف رزق كيف ينوع أدواره وأداءه واختار نصوصاً مميزة كان آخرها «العار» الذي عرض في شهر رمضان وسط كومة من المسلسلات المتعددة الأنماط والأشكال. وصف رزق في أحد لقاءاته الصحافية رفض أي ممثل عملاً ك «العار» من أجل مساحة الدور والبطولة المطلقة ب «الموقف الغبي»، الا أن «ذكاء» رزق ليس في موافقته على عمل جماعي وسط فنانين نجوم، بل في عدم رفضه الدور خوفاً من المقارنة مع فنان مخضرم كمحمود عبدالعزيز الذي جسد الدور الذي يلعبه رزق في فيلم «العار» عام 1982. لقد كان من السذاجة توقّع ظهور رزق في دور يغلب عليه الطابع الكوميدي أو مستلهم من روح محمود عبدالعزيز، وهو ما اعتقدته الغالبية من نقاد ومشاهدين قبل عرض المسلسل، ما وضعه وجميع صنّاعه في مرمى النقد اللاذع. فمنذ الاعلان عن تصوير المسلسل وعن أبطاله أحمد رزق وشريف سلامة ومصطفى شعبان، راهنت الغالبية على تألق مصطفى شعبان ثم شريف سلامة من دون تسليط الضوء على رزق. وتذكر البعض الفيلم وبدأت المقارنات بين أبطاله الاصليين وأبطال المسلسل وبين رزق ومحمود عبدالعزيز، إلا أن كل تلك التوقعات لم تُصب وتفوّق رزق في دوره على شعبان وسلامة وكان على قدم المساواة مع عبدالعزيز بجدارة. اضافة اضاف العار منطقة تمثيلية جديدة لرزق لفتت انتباه المشاهد اليه مجدداً بعد مسلسل دون المستوى قدم في رمضان الماضي هو «فؤش»، لذا كان موفقاً للغاية عندما رفض تجسيد شخصية «الشيخ سلام» شقيق الفنان يحيى الفخراني في مسلسل «شيخ العرب همام» مفضلاً «العار» كونه قدم شخصيتين متشابهتين لشخصية الشيخ سلام في مسلسل «الوجه الآخر»، وفيلم «التوربيني». وبالفعل، تفوّق رزق في تجسيد شخصية «سعد» أحد أبناء الحاج «عبد الستار» الذي مات وترك لأبنائه ثروة ضخمة من صفقة مخدرات، إذ تشهد شخصية سعد تحوّلاً جذرياً من سعد الطيب البسيط والمسالم الخفيف الظل، إلى سعد رجل الاعمال الظالم والمتعطش الى جمع المزيد من الاموال، والزوج القاسي القلب والرأس المدبر للمكائد الشريرة، وكأن روحاً شيطانية تلبست رزق وأعانته على اداء «سعد» قاتل زوجته التي دفعته إلى هذا المصير المظلم وقاتل نفسه للهروب من عواقب وخيمة لن يتحملها قلب خالٍ من الايمان والصبر، لتكون الأموال مصدر «خراب حياته» لا «وش السعد عليه». هي مجرد صدفة قادته إلى هذا المصير الشيطاني بسبب امراة احبها وأراد رضاها على حساب مبادئه وأخلاقه، إلا أنها كانت صدفة موفقة إسناد الدور إلى فنان اشتهر باللون الكوميدي. مراحل تنقل رزق الذي يفضل دائماً لقب «فنان شامل» على «فنان كوميديان» بين مراحل صعود الشخصية وهبوطها برشاقة واحترافية واندماج كامل مع «سعد» الطيب الشرير الخفيف الظل في بعض الأحيان. ويحسب للمخرجة شيرين عادل جرأتها في اختيار رزق لدور غلب عليه الطمع والشر في وقت يفضل مخرجون كثر التساهل واختيار من اشتهر بمثل هذه الادوار، لتعوض فشل مسلسلها في رمضان الماضي «تاجر السعادة»... كما يحسب للمؤلف أحمد محمود أبو زيد – ابن مؤلف النص السينمائي محمود أبو زيد - اعتماده فروقاً جوهرية ابتعد فيها المسلسل من الفيلم، حيث يواكب المسلسل الواقع الحالي، في حين ارتبط الفيلم بواقع المجتمع المصري عام 1982 وإن لم تختلف الخطوط العريضة. كما أضيفت خطوط درامية مختلفة؛ مثل وجود زوجة الأب، وتفاصيل الصفقة، وما ترتب عليها من أحداث واختلاف شخصية سعد خصوصاً عنها في الفيلم.