سفير خادم الحرمين الشريفين في فرنسا الدكتور محمد بن إسماعيل آل الشيخ يعتقد أن النجاح في السياسة لا يتم من دون تحقيق نجاحات ثقافية. ولعل هذا ما دفعه منذ جلوسه على قمة هرم «السفارة السعودية» في باريس إلى مسابقة الزمن بغية تحقيق حلم ربط المجتمع السعودي معرفيا أو ثقافياً بنظيره الفرنسي، في سعي لتحقيق علاقات ديبلوماسية واقتصادية مستدامة كانت أولى ثمارها افتتاح معرض سعودي في متحف «اللوفر». يقول: «ولدت فكرة المشاركة عام 2006 أثناء زيارة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك المتحف الوطني في الرياض، وتحديداً حينما أطلع رئيس الهيئة العليا للسياحة الأمير سلطان بن سلمان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس الفرنسي على احتمال اكتشافات أثرية في عامي 2007 و 2008، إبّان معاينتهما قطعاً أثرية في أحد أجنحة المتحف. وفي الوقت ذاته اقترح الأمير سلطان درس إمكان التنسيق لتنظيم معرض سعودي في متحف «اللوفر» حال موافقة خادم الحرمين الشريفين والرئيس الفرنسي. وفي اللحظة ذاتها، أبديا موافقتهما من حيث المبدأ على أن يبدأ الخوض في التفاصيل الفنية لاحقاً». ويضيف آل الشيخ: «عدنا في صيف 2006، وبدأنا العمل بالتنسيق مع الهيئة العليا للسياحة وتحديداً مع رئيسها الأمير سلطان على حجز قاعات تناسب معرض الهيئة العليا للسياحة والآثار الذي تعتزم تنظيمه في متحف «اللوفر»، ولكن الظفر بقاعات مميزة في منشأة ثقافية عالمية كبرى بحجم ومكانة «اللوفر» يحتاج إلى حجز مسبق، خصوصاً أن كل قاعاته كانت آنذاك محجوزة لأربع سنوات مقبلة. حينها، كان أقرب موعد للظفر بتلك القاعات في تموز (يوليو) 2010، فحجزناها». وأشار إلى أن «أربع سنوات» كانت مدة مريحة، «منحنا ذلك فسحة من الوقت انعكست إيجاباً علينا، ففيما ظفرنا بقاعات مميزة في واحد من أكبر المراكز الثقافية في العالم، استمرت أعمال التنقيب عن الآثار، ونجم عنها كثير من الاكتشافات لم يدر بخلد أحد احتمال أن تكون موجودة في السعودية. وبذل فريق من علماء الآثار السعوديين من كلية الآثار والسياحة في جامعة الملك سعود، الذي طعم َ بعلماء وأكاديميين من جامعات أخرى وخبرات أجنبية جهداً كبيراً، وحققوا نجاحات باهرة. ووصل الحد الأدنى للقطع الأثرية السعودية والمعروضة الآن في متحف «اللوفر» إلى 300 قطعة». ويستطرد: «كانت فترة الافتتاح التي تصادفت مع إجازة الصيف مناسبة، وذلك بوجود 11 مليون سائح في باريس، جلّهم أجانب حريصون على زيارة «اللوفر»، والذي يعد أحد أبرز المزارات السياحية في أوروبا. المعرض حتماً سيثمر بعداً حضارياً وإرثاً تاريخياً للمملكة العربية السعودية يجهله كثيرون في فرنسا وغيرها». وعن الإضافة التي سيتركها المعرض في مختلف شرائح وجنسيات زوار «اللوفر»، يقول: «معلوم أن ملايين السياح على اختلاف مشاربهم ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية يحرصون على زيارة متحف «اللوفر»، لذا كان لزاماً أن نهتم باستهداف العالم أجمع خصوصاً تلك الغالبية التي تجهل تاريخنا وموروثنا. والحقيقة أننا نسعى من خلال المعرض إلى تبيان البعد الحضاري لمنطقتنا وبلدنا اذ تقدم المعروضات لمحات عن العصور الإسلامية كافة، والتي يمتد بعضها إلى عصر ما قبل الإسلام. هذه النقطة تمنحنا بعداً حضارياً مهماً، إذ إن الرسالة المحمدية نزلت في مكان يحوي دروساً حضارية عدة، وتاريخاً ثرياً من الديانات». لكن، هل ستعاد القطع الأثرية إلى السعودية مباشرة، بعد عرضها في «اللوفر»؟ يجيب آل الشيخ: «تعكف الهيئة العليا للسياحة والآثار وعلى رأسها الأمير سلطان بن سلمان على بذل جهود كبيرة ومتميزة في محاولة لنقل المعروضات الأثرية إلى أكثر من بلد ومنها إسبانيا وألمانيا وإنكلترا وأميركا، وذلك بعد موافقة خادم الحرمين الشريفين على ذلك، وبحسب علمي فقد صدرت الموافقة الكريمة على تنقل المعرض في بلدان عدة تحددها الهيئة العليا للسياحة. والحقيقة أن الهيئة تبحث عن أماكن متميزة لعرض هذه الآثار في الدول الأخرى على أن تكون هذه المواقع قريبة من مستوى «اللوفر» إن لم تكن في مستواه». ولا يخفي السفير السعودي، أن توجيهات عليا كانت وراء الاهتمام بالجوانب الثقافية والتركيز عليها، و»أعتقد أن النجاح في السياسة لن يتم من دون الاهتمام بالثقافة، والتي لا يمكن تحقيق نجاحات كبرى فيها من دون ربط معرفي. علماً أن الربط المعرفي بين المجتمعات يختلف عن الربط الثقافي، وكلاهما يهيئ أرضية صلبة لعلاقات ديبلوماسية واقتصادية مستدامة».