نشرت الصحف البريطانية خلال آب (أغسطس) الماضي تقارير أشارت إلى أن الرئيس باراك أوباما يخطط لبناء درع صاروخية أميركية بهدف منع إيران من توجيه ضربة إلى أوروبا. وتعتبر هذه المبادرة مهمّة كما أنها تطرح عدداً من القضايا المثيرة للاهتمام. نذكر أنّ الرئيس جورج بوش اقترح إقامة درع صاروخية أميركية في أوروبا الشرقية لمواجهة تهديد الصواريخ الإيرانية البعيدة المدى. وكانت الخطة إنشاء محطة رادار في جمهورية التشيك ونصب عشرة صواريخ اعتراضية في بولندا. واختار الأميركيون هاتين الدولتين لأنهما كفيلتان بفضل موقعهما الجغرافي المناسب بحماية أوروبا بأكملها. وقدرت تكاليف هذا البرنامج بحوالى أربعة بلايين دولار في السنة. وفي شباط (فبراير) 2009، بعث الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف برسالة سرية إلى الرئيس أوباما بعد تسلمه مهامه الرئاسية أعلمه فيها معارضة روسيا الشديدة نشر درع صاروخية أميركية في أوروبا الشرقية. وأشارت روسيا علناً إلى أنّ هذه الدرع تستهدفها هي وليس إيران. واقترح الرئيس أوباما إمكان العدول عن نشر هذه الدرع في حال نجحت روسيا في إقناع إيران بعدم المضي قدماً في برنامج الأسلحة النووية، مع العلم أنّ إيران تنكر رسمياً نيتها القيام بذلك. وبعدها تطوّرت الأحداث. فقرّر الرئيس أوباما التخلي عن خطة بوش القاضية بنشر درع صاروخية ويبدو أنه في صدد إنشاء محطة رادار ميدانية جديدة في تركيا أو في بلغاريا. كما يُقال إن واشنطن تعتبر أنّ التهديد الحقيقي يأتي من الصواريخ الإيرانية المتوسطة المدى القادرة على ضرب الشرق الأوسط أو جنوب أوروبا. وبوسع محطة الرادار هذه أن تنقل معلومات إلى السفن الأميركية المجهزة بأنظمة مضادة للصواريخ في منطقتي المتوسط والخليج. مع العلم أنّ الولاياتالمتحدة تنوي بناء محطة أخرى في الخليج. وأشارت وزارة الدفاع الأميركية إلى أن من المحتمل أن يتمّ نصب هذه الدرع وأن تكون جاهزة للتشغيل قبل نهاية عام 2011. أنا متأكد أن البعض في إيران يعتبر أنه ينبغي على بلده تطوير الأسلحة النووية من أجل منع إسرائيل من شنّ هجوم عليه. إلا أنّ إسرائيل لم تقرّ يوماً بأنها تملك أسلحة نووية لكن الاعتقاد على نطاق واسع أنها تملك مئتي رأس حربي نووي وانها قادرة على «توجيه ضربة ثانية» بفضل الغواصات المزودة بصواريخ من طراز «كروز» برؤوس نووية. كما يرى عدد كبير من الإيرانيين أنه لو كان صدام حسين يملك أسلحة نووية متوسطة المدى لما اجتاحت الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة العراق عام 2003. وقد يكونون محقّين في ذلك. تملك إيران عدداً كبيراً من الصواريخ القوية لكنها تحتاج إلى بضع سنوات لصناعة أول صاروخ مزوّد برأس حربي نووي. غير أنّ إسرائيل تعتبر أنّ سنة واحدة تفصل إيران عن حيازة أول سلاح نووي. كما لفتت المصادر الاستخباراتية في واشنطن إلى أنّ إيران لا تبدو راغبة في حيازة صواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى أوروبا الشرقية أو أميركا، مضيفة أنّ إيران تعلم جيداً بأن مجموعة من الأهداف الأميركية قريبة منها. وتعتقد أميركا حالياً أنّ إسرائيل قد تشنّ ضربة نووية على منشآت إيران النووية وقد تردّ إيران على ذلك بشن هجوم قوي بالصواريخ على قواعد إسرائيل وأميركا الموجودة في المنطقة. وقد يتمّ أيضاً إطلاق عدد من الصواريخ التقليدية باتجاه جنوب أوروبا. وقد أعلن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أمام جلسة استماع في الكونغرس قبل أسابيع أنه «في حال شنت إيران هجوماً بالصواريخ على أوروبا فلن تطلق صاروخاً واحداً أو اثنين أو بضعة صواريخ بل من المرجح أن تطلق وابلاً منها حيث قد يترتب علينا مواجهة عشرات أو حتى مئات الصواريخ». أعتقد أن معظم النقاش الدائر حول نوايا إيران من إطلاق الصواريخ لا يعدو كونه مجرد تخمين. وما يثير قلقي في الوقت الحالي هو عجز العقوبات الأخيرة التي فرضها مجلس الأمن على إيران بعد أن رفضت التفاوض حول برنامجها النووي عن ثنيها عن صناعة أسلحة نووية. فمعروف أنّ «الحرس الثوري» الإيراني يشارك في رسم سياسات إيران النووية وقد يكون له تأثير كبير على هذا الصعيد. باتت إيران تشكل أكبر خطر دولي هذا العام. كما أصبحت معزولة وتتحدّى الرأي العام العالمي. * سياسي بريطاني