في وقت وصل مسؤول إسباني رفيع المستوى إلى الجزائر لتقديم شروح لما اصطلح على تسميته «الصفقة بين مدريد والقاعدة» في الساحل الصحراوي، قامت مجموعة مسلحة يُعتقد أن أفرادها من «قطاع الطرق المتعاونين مع تنظيم القاعدة» بخطف سبعة عمّال أجانب بينهم خمسة فرنسيين في منطقة أرليت الغنية باليورانيوم شمال النيجر. وجاء خطفهم بعد يوم من اجتماع استضافته الجزائر لقادة أجهزة الاستخبارات في أربع دول في الساحل الافريقي وخُصص لدرس إجراءات تستهدف «تجفيف منابع تمويل» التنظيم الارهابي. وأكد مصدر على صلة بجهود مكافحة الإرهاب في الساحل أن كل المؤشرات الأولية تشير إلى أن المجموعة المسلحة تتقارب بصماتها مع المجموعة التي قتلت أربعة سعوديين وجرحت إثنين آخرين في منطقة تقع غرب بلدة دجامبالا الواقعة في المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وهي أيضاً المجموعة نفسها المسؤولة عن خطف الديبلوماسي الكندي روبرت فاولر مع مساعده قبل أشهر (أفرجت «القاعدة» عنهما لاحقاً). وقال هذا المصدر إن هذه المجموعة «اعتادت» بيع الرهائن لجماعة حميد السوفي (قيادي «القاعدة» عبدالحميد أبو زيد) المتمركزة في واد زوراك على الحدود بين النيجر ومالي. وأعلنت مجموعتا «أريفا» (النووية) و «فينتشي» الفرنسيتان أن سبعة من موظفيهما خُطفوا ليل الأربعاء - الخميس في منطقة أرليت حيث تتوزع مناجم عدة لليورانيوم في مكان غير بعيد من الحدود الجزائرية. وتبعد أرليت 1200 كلم شمال شرقي نيامي، عاصمة النيجر. وبين المختطفين خمسة فرنسيين وافريقيان من توغو ومدغشقر. وقالت مصادر أمنية جزائرية ل «الحياة» إن هناك شكوكاً في أنهم خُطفوا على أيدي نشطاء قبليين عرب وطوارق يأتون عادة من أرليت في دولة النيجر المجاورة إلى مدينة عين فزام في أقصى جنوبالجزائر. وتصف مراجع جزائرية موقع العملية بأنه «مرتع للجريمة المنظمة التي تتغذى من تجارة الممنوعات على الحدود، بدءاً من تهريب المواد الغذائية والسجائر والوقود وانتهاء بتجارة السلاح والمخدرات». كما أن «تجارة الرهائن» شهدت بدورها ازدهاراً واضحاً في ظل وجود «أيدٍ سخية» تدفع عن كل رهينة غربي يُفرج عنه ما لا يقل عن خمسة ملايين يورو. وكشفت معلومات أولية أن الخاطفين يتحدثون «لغة عربية ولهجة قبائل من الطوارق»، وحددت جهات أمنية في النيجر مسارهم نحو منطقة جبلية لا تبعد كثيراً عن حدود الجزائر. وقالت مصادر «الحياة» إن الوجهة ربما تكون منطقة واد تزسكا، وهي منطقة وعرة تقابل هضبة جادوا شمال النيجر. ويُعتبر حادث خطف الفرنسيين الخمسة معاً فشلاً ذريعاً للإستخبارات الفرنسية التي كانت تُطبّق منذ فترة إجراءات مشددة لحماية الرعايا الفرنسيين في النيجر. وكانت الخارجية الفرنسية وجّهت نهاية آب (أغسطس) الماضي رسائل إلى الرعايا الفرنسيين في جنوب دولة النيجر تدعوهم فيها إلى توخي الحيطة نظراً إلى وجود «تهديدات بالخطف» قد يتعرض لها الغربيون. وتفيد مصادر مطلعة على نشاط المهربين وقطاع الطرق في المنطقة أن مبعث القلق الحقيقي للجزائر أن غالبية الخارجين عن القانون الموجودين في المنطقة تربطهم علاقة قوية ببقايا «كتيبة الملثمين» بقيادة عبدالحميد أبو زيد. كما تنشط في المنطقة جماعة أخرى تُعرف باسم «آرخومة» نسبة إلى زعيمها بدر آرخومة. والعصابة الأقوى بين المجموعات الناشطة هناك هي الناشطة في منطقة «بلاتو جادوا» عند ملتقى الحدود بين النيجر والجزائر وليبيا، وتسيطر هذه الجماعة على أحد أهم مسالك تهريب المخدرات نحو الشرق والسلاح نحو الجزائر. إلى ذلك، وصل أمس إلى الجزائر كاتب الدولة الإسباني المكلّف الشؤون الخارجية وأميركا اللاتينية خوان بابلو دي لايغليسيا. ويُجري المسؤول الإسباني محادثات مع المسؤولين الجزائريين في شأن ملف «الإرهاب في الساحل» وكذلك «تطورات ملف الصحراء الغربية»، وقالت مصادر رفيعة ل «الحياة» إن لايغليسيا «أتى حاملاً شروحات رسمية حول عملية إطلاق سراح رهينتين إسبانيين كانا محتجزين لدى القاعدة (في الساحل) على أمل إنهاء الجمود الذي أصاب علاقة الدولتين بسبب هذه القضية». وقتلت «القاعدة» في تموز (يوليو) الماضي المهندس الفرنسي ميشال جرمانو (78 سنة) بعد ثلاثة أشهر من خطفه في النيجر. وجاء إعدامه بعد يوم من قيام قوات فرنسية وموريتانية بمهاجمة موقع ل «القاعدة» في شمال مالي كان يُشتبه في أن الفرنسي محتجز فيه.