قدمت صحيفة «لوموند» الفرنسية العريقة شكوى ضد مجهول بتهمة انتهاك سرية المصادر الصحافية، ما ينذر بمواجهة قد تكون الأولى من نوعها بين الصحيفة والرئاسة الفرنسية. وأسندت الصحيفة شكواها الى القانون الصادر في 4 كانون الثاني (يناير) الماضي، حول معاقبة أي انتهاك ولو في شكل غير مباشر، لسرية المصادر الصحافية. وتركت الصحيفة للمحققين أمر التوصل الى المسؤول أو المسؤولين عن الكشف عن هوية القاضي المستشار في وزارة العدل الفرنسية دافيد سينا الذي زود أحد صحافييها معلومات تؤكد ان وزير العمل أريك فورت تدخل شخصياً لمنح باتريس دوميستر، وكيل أعمال أغنى نساء فرنسا ليليان بيتانكور، وسام جوقة الشرف. ومع ان الشكوى رفعت ضد مجهول، الا ان الصحيفة أكدت في مقال أوردته على صفحتها الأولى، ان «قصر الأليزيه انتهك القانون حول سرية المصادر الصحافية»، لوضع حد للتسريبات التي تحصل عليها وسائل الإعلام الفرنسية حول قضية بيتانكور، وريثة شركة «لوريال»، وعلاقة فورت بالمقربين منها والشبهات المتعلقة بتقديمها مبالغ من المال لحزب «التجمع من أجل حركة شعبية» اليميني الحاكم. وكانت قضية بيتانكور، شهدت سلسلة من التطورات على مدى الأشهر الماضية، وواكبها كثير من التكهنات حول علاقة فورت بها وظروف توظيف زوجته فلورانس فورت في احدى مؤسسات السيدة الثرية. وعمل فورت على مواجهة مختلف الشبهات والتكهنات هذه، بالنفي، وشكا عبر مداخلات اعلامية متعددة من انه عرضة لحملة تشهير وان لا علاقة له اطلاقاً بما يتناقله الإعلام حول العلاقات القائمة بينه وبين بيتانكور والمقربين منها. لكن التحقيقات في هذه القضية، اتخذت منحى جديداً عند منتصف تموز (يوليو) الماضي، أثر استجواب دوميستر والمصور فرنسوا ماري باتييه، الذي يعد الصديق الحميم لبيتانكور وتتهمه ابنتها باستغلال هذه الصداقة لابتزاز الملايين منها. وفي ضوء هذه التحقيقات، حصلت «لوموند» على معلومات نشرتها في حينه وتفيد أن دوميستر عمل على توظيف فلورانس فورت بناء لرغبة زوجها وبعد تدخل الأخير لدى الرئيس نيكولا ساركوزي لمنح دوميستر الوسام. واعتبرت الصحيفة ان نشر هذه المعلومات قبيل استجواب المحققين لفورت للاستماع منه الى شهادته، أثار انزعاجاً بالغاً لدى القصر الرئاسي الذي قرر منذ بدء هذه القضية تغطية فورت وعدم التخلي عنه. وأدى هذا الشعور بالانزعاج الى تدخل الدائرة المركزية للاستخبارات الداخلية، للتحقيق والكشف عن هوية (سينا) الذي سرب المعلومات الى الصحيفة، وكلف في مطلع الشهر الجاري بمهمة لدى محكمة الاستئناف في غوايانا (من أقاليم ما وراء البحار الفرنسية)، ما يعني أنه أعفي من منصبه في وزارة العدل. وترى «لوموند» ان أمر التحقيق في هوية سينا صدر عن رئاسة الجمهورية التي اتهمتها الصحيفة ب «تسخير وقت وجهد جهاز الاستخبارات في اطار قضية غير شرعية». وحصلت الصحيفة من جهاز الاستخبارات على تأكيد مفاده أنه حقق في هوية سينا من منطلق واجباته التي تقتضي «حماية مصالح الدولة»، وانه أبلغ القصر الرئاسي بنتائج تحقيقه نهاية تموز (يوليو) الماضي. في المقابل، أصدر قصر الأليزيه نفياً قاطعاً لاتهامات «لوموند»، وأكد أن أي أمر في شأن الكشف عن هوية سينا «لم يعط الى أي جهاز كان». وعلى رغم هذا النفي، فإن رائحة الفساد المنبعثة من فصول فضيحة «بيتانكور - فورت» باتت أكثر كثافة وتعزز اشمئزاز المواطنين من أسلوب الطاقم الحاكم. والسؤال هو الى أين ستصل هذه القضية بفصولها وتطوراتها، مع اتساع نطاق ذيولها التي بدأت تطاول رأس السلطة وبدأ البعض يطلق عليها اسم «ساركو- غيت». من جهة ثانية، أقر البرلمان الفرنسي امس مشروع قانون يحظر ارتداء النقاب في الاماكن العامة، ولم يبق سوى ان يصادق عليه المجلس الدستوري قبل سريانه. ولن يدخل القانون حيز التنفيذ قبل ربيع 2011، بعد فترة «تمهيدية»من ستة أشهر.