مجموعة الشاعر السعودي إبراهيم زولي حملت عنواناً مركباً من شقين أو فلنقل عنواناً تبعه وصف للقصائد جاء بالفعل عنواناً فرعياً إضافياً أو وصفاً لهذه القصائد. العنوان هو «قصائد ضالة... كائنات تمارس شعيرة الفوضى». وإذا كان في هذا العنوان ما يوحي أو ما يحب أن يوحي بنوع من الفوضى من الناحية الفنية والشعورية فقراءة القصائد قد تستحضر إلى ذهن القارئ مصطلحاً آخر قد يكون أقرب إلى وصف محتوى المجموعة. وهذا المصطلح هو «الفوضى المنظمة». إنها فوضى تبدو مقررة ومدروسة ومشتهاة ومخططاً لها فكرياً أكثر منها فيضاً من النفس يأتي بكل ما فيها من ما يصح أن يدخل في باب الفوضى سواء أكانت تشويشاً نفسياً أم فكرياً. والواقع أننا في المجموعة قد نجد أنفسنا نواجه نوعين من الشعر أو حالين مختلفتين في الشكل التعبيري وفي المضمون أحياناً. أولى الحالين عمل عقلي وتراكيب فكرية هي بنت صنعة تتحول إلى شيء من التصنع بقدرة وبلاغة وأحياناً بغرابة فكرية يصعب فهمها ويصعب أن تحسب شعراً دافئاً موحياً. أما الأخرى فسمتها الأولى هي غياب ذلك الافتعال الفكري الذي يسعى إلى تميز فلا يحصل عليه بل يقع في الحذلقة الذهنية شبه المجانية. هذه الحال تقدم للقارئ شعراً صافياً دافئاً وموحياً. إذا كان «الفصام» في شرح تبسيطي له هو مساكنة غير واعية تماماً لشخصيتين أو أكثر ضمن إطار الإنسان الواحد فيبدو أن هناك ما يبرر لنا أن نتحدث عن نوع من الفصام في قصائد مجموعة إبراهيم زولي بل في القصيدة الطويلة الواحدة أحياناً. نواجه تعايشاً بل مساكنة بين نوعين من الكتابة شعر جميل مؤثر وموح هنا وعمليات حذلقة فكرية تدعي غموضاً مصطنعاً هناك وتتحول إلى ما يشبه الزخرفة الذهنية المجانية. مجموعة إبراهيم زولي - وهي كتابه السادس - جاءت في 96 صفحة متوسطة القطع واشتملت على 29 قصيدة بين طويلة وعادية الطول. وصدرت المجموعة عن «نادي المدينةالمنورة الأدبي» في المدينةالمنورة في المملكة العربية السعودية و«االدار العربية للعلوم ناشرون» في بيروت. والعنوان «قصائد ضالة» يحمل إلى الذهن أوصافاً وعناوين مختلفة لشعراء مختلفين منها قصائد أو قصيدة ملعونة ومنها الأشهر أي «أزهار الشر». قدم زولي قصائده باستشهادين من اثنين الحلاج في قوله «ركعتان في العشق لا يصح وضوؤهما إلا بالدم» والثاني هو الشاعر يانيس ريتسوس، إذ يقول «تحت كل الكلمات» جسدان يتحدان «وينفصلان». نقرأ القصيدة الطويلة الأولى «قصائد ضالة» فنواجه في كثير من أقسامها هذا الإصرار على الذهني شعراً في مجازات ورموز وضروب من «البلاغة الذهنية» التي إذا نجحت فهي غالباً شعر بارد ميت أو باختصار جثث شعرية. يضاف إلى ذلك إصرار أحياناً على شيء من «الفرويدية». نقرأ ولا نستطيع إلا أن نتساءل عن سبب إصرار الشاعر على تسكين المنصوب أي كلمة ««مبرراً» «في نهاية القسم الأول «فاض ماء الجسد» في فيافيك «فوق تخوم الأقاليم» عاطفة غير مفهومة «غالباً لا نريد لذلك» معنى مبرر». نتابع القراءة في القسم الثاني «لم تغادرك منذ الأبد» في الرواق المؤدي «إلى غرفة النوم» تحت حريق الكلام «أمام البنايات من» «خشب وصفيح» على صحن فاكهة «في النشيد الصباحي» ترى كيف يمكن أن «أتحاشى مفاتنها» بعدما حولتني إلى «حطب قروي». ننتقل إلى القسم الذي يليه، إذ تترافق الصورة الشعرية الموحية والكلام الذهني التقريري. إنه تتابع مثير للتساؤل... فبعد تعبير في تصويرية تلفت الانتباه هو «مكتو بالصباحات» في «أعين الفتيات» ينتقل مباشرة إلى «البارد» في القول «أرتق سجادة للندى» ومنها مباشرة إلى صورة جميلة موحية هي «أيها العابر الآن» ثمة أغنية تتطاير كالنحل، لكنه يتبعها بتقريري بارد هو قوله عن الأغنية إنها «من سهر وحريق». وننتقل إلى أقوال تقريرية ترد فيها فكرة قد يجد فيها البعض حذلقة ما لكنها غير شعرية وتقع في مجالات الإطراء البارد المألوف لامرأة ما. يقول في شيء من ما يذكر بما وصف بالطباق أي الضدين فيقول «في الطريق إلى بيتها» تهدأ الرياح في الدرب» لكن عاصفة داخلي «تشتعل». وكذلك الأمر في قوله في غزل بارد غير شعري «عند ما تغضبين» المصابيح «في حينها تنطفي...» حين تحكين للغيم «تمطر هذي السماء» الثمر». وفي نطاق هذا الفصام الشعري ننطلق من البارد التقريري إلى تصوير رائع مميز للحال الشعورية أو المعاناة التي قد تسبق ولادة العمل الشعري. يقول «من الأرض» تصعد أبخرة «في الزوايا الخفية» تذهب في الروح «هل سوف تأتي القصيدة... ». إبراهيم زولي حين يتخلص من إغراءات اللعبة البلاغية الذهنية التي تدخله في فصام شعري ويعود إلى مشاعره من دون حذلقات يكتب شعراً دافئاً مؤثراً. عسى أن يتخلص من تنظيم الفوضى ويغوص في فوضى الروح وفي نظامها من دون افتعال. فلنقرأ معه شعراً جميلاً. في قصيدة «أنت» يذوب الفكرة في حرارة العاطفة ويقدم لنا صوراً جميلة ومشاعر ناعمة في حزنها وإن تحدث عن البرد. يقول «بارد أنت» كالهذيان المشرد «تمتد في فلوات العيون» تدمدم في لغة «تتخلق كالكائنات» صلاتك للبحر «يترك خلوته» لأنت الريح «تفتح نافذة للهواجس» تسرج ليل المواويل....». وننتقل معه إلى قصيدة «كلام» التي يقول فيها «آخر الليل لا شيء يبقى سوى قلقي وكلام أخذت أدونه يتقدم «كالظلمات» تجمد في «لغتي فزعاً» كان يرفع رايته ثم «يوقد فانوسه قرب نافذتي... ».