توقّع وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري استمرار أزمة تشكيل الحكومة القائمة في البلاد منذ خمسة أشهر تقريباً بسبب «غياب روح التنازلات والحلول الوسط في العراق» كما أبدى أسفه لتزامن انسحاب القوات الأميركية المقاتلة مع غياب حكومة دستورية لكنه وصف الانسحاب «بنقطة التحول الكبرى» في العلاقة بين واشنطن وبغداد. وحذّر زيباري في حوار مع «الحياة» جميع دول الجوار من التدخل في شؤون بلاده الداخلية وشدد على أن حكومته هي الوحيدة القادرة على ملء الفراع الأمني ان حصل، كما تطرق الى ملف علاقات العراق العربية والإقليمة وتفاصيل إخراج العراق من «الفصل السابع» وغيرها من المواضيع. وهنا نص الحوار: لنبدأ من انسحاب القوات الأميركية المقاتلة من البلاد، البعض يعتقد أن العلاقة الأمنية لن تتغير مع واشنطن فالعدد المتبقى من الجنود الأميركيين لا يزال كبيراً، في المقابل يخشى آخرون من فراغ أمني سيحصل مع انسحاب هذه القوات. ماذا تعتقدون أنتم؟ - الحقيقة دخلنا اليوم في مرحلة جديدة فعلاً لأن مهمة القوات الأميركية قد تغيرت كلياً وما حصل ليس للترويج أو للاستهلاك الإعلامي او لإعادة تسويق الوجود الأجنبي في البلاد، إن انسحاب القوات الأميركية المقاتلة نقطة تحول كبرى في العلاقة العسكرية الأميركية العراقية وسيرى الجميع التزام الولاياتالمتحدة بما اتفقنا عليه، أي تولي القوات العراقية الملف الأمني بالكامل. ما حصل يقربنا أكثر من الحصول على السيادة الكاملة التي بدأ تحقيقها بعد توقيع الاتفاق الأمنى مع واشنطن نهاية عام 2008، مع ذلك فإنني شخصياً كنت أتمنى لو أن الحكومة الدستورية الجديدة موجودة قبل موعد الانسحاب. هل هناك خشية من التدخلات الخارجية بعد انسحاب معظم القوات الأميركية وتعثر تشكيل حكومة جديدة في العراق؟ - حالياً لا أعتقد أن المخاطر موجودة على العراق من تدخلات خارجية بسبب تقليص عديد القوات الأميركية لأن الفراغ الأمني لن يحدث مثلما يتوقع بعض دول الجوار، وقد أعلنا رفضنا المطلق أي نوع من أنواع التدخل الخارجي لملء ما يسمى او ما يتوهمونه إنه «فراغ» بعد آب (أغسطس) 2010. هذا لن يحصل أبداً لأن الحكومة العراقية الحالية قادرة على ملء أي فراغ قد يحصل في البلاد وإضافة الى كل ذلك فإن القوات الأميركية المتبقية لا بأس بها، 50 ألف جندي سيبقون بحسب الاتفاق الأمنى الى نهاية العام المقبل وهناك مجال كافٍ لبناء المزيد من القدرات العراقية الأمنية من نواحي التسليح والتدريب والتأهيل. وإذا لم تنجز عملية بناء القدرات الأمنية العراقية نهاية العام المقبل هل سيطلب العراق تمديد بقاء القوات الاميركية، او بعلاقة أمنية طويلة الأمد كما صرح بذلك بعض القادة الاميركيين والعراقيين؟ - لكي أكون صريحاً وواضحاً، لدينا الآن اتفاق أمني مع واشنطن يتضمن انسحابات تدريجية الى حين خروج جميع القوات عام 2011، والذي حصل هو تنفيذ لوعد انتخابي للرئيس الأميركي باراك أوباما قطعه للشعب الأميركي بإنهاء المهام القتالية والإبقاء على خمسين ألف جندي فقط، بمعنى أن الحكومة العراقية الحالية من جهتها ملتزمة بمواعيد الاتفاق الأمني فقط والذي ينص على عدم بقاء أي جندي أميركي في البلاد نهاية العام المقبل. ولكن للحكومة المقبلة وبحسب ميولها وحساباتها والظروف المحيطة بها الخارجية والداخلية وبحسب القدرات الأمنية المتوافرة لديها في حينه أن تقرر تعديل او تغيير الاتفاق الأمني مع واشنطن. أنا شخصياً أعتقد ان القوات العراقية قادرة على توفير الأمن الداخلي لكن الأمن الخارجي وحماية الحدود والدفاع عن البلاد يحتاج الى منظومة عسكرية متطورة قد تحتاج الى وقت طويل. هل ستتمكن الحكومة بعد الانسحاب الأميركي من التعامل مع دول الجوار خصوصاً تركيا وإيران؟ - العلاقات الخارجية جيدة مع تركيا ولدينا اتفاق للتعاون الاستراتيجي معها وعقدنا جلسات مشتركة للوزارات المعنية بهذ الخصوص في اسطنبول وبغداد، وشهدت العلاقات تطوراً سريعاً بخاصة في المجال الاقتصادي، وإيران لدينا معها أيضاً كم هائل من الاتفاقات ومذكرات التفاهم، وحتى مع سورية العلاقات مستمرة على رغم سحب السفراء العام الماضي ولم تتم عودتهم حتى الآن، لكن الاتصالات مستمرة على المستويين السياسي والتجاري. ما يقلقنا هو تدخلات دول الإقليم في الشؤون الداخلية للعراق ومحاولاتها أن تنصب نفسها أولياء على مستقبله وشكل الحكومة المقبلة ومن يرأس الحكومة والكل يسمع ويرى لقاءات قادة عراقيين في عواصم دول الجوار وهذا في الحقيقة أمر غير مقبول وليس هناك دولة في العالم ترضى ان يتفق قادتها على مصير الحكومة في دولة اخرى، والسبب في ذلك الأوضاع الحالية التي نمر بها وغياب وحدة الموقف السياسي او الحكومي من هذه المسائل، ونأمل ان تأتي حكومة جديدة متجانسة وقوية وطنية ائتلافية تحترم نفسها وتتعامل مع الآخرين بلغة واحدة ورسالة واحدة، آنذاك الأطراف الأخرى ستحترم سيادة العراق. الآن بعض الدول يتحدث عن فراغ أمني سيحصل في البلاد ويعلن رغبته في ملء هذا الفراغ وهذا مرفوض مرة أخرى. أبلغنا دول الجوار جميعها في شكل صريح أننا نرفض أي نوع من أنواع التدخل وكان ذلك في عواصمإيران وتركيا وسورية وبحضور رؤساء هذه الدول. قلت لهم مباشرة إن الجهة الوحيدة التي ستملأ هذا الفراغ إن حصل هي الحكومة العراقية فقط وهي قادرة، ولن نسمح لأطراف بالتمدد على حساب مصالحنا تحت أي ذريعة كانت. وبخصوص القصف التركي والإيراني المستمر على الأراضي العراقية هل تتوقعون استمراره؟ - هذه المسائل دائماً نسجلها على تركيا وايران في مذكرات رسمية فكل خرق للحدود العراقية من أي دولة هو موضع إدانة والقصف الإيراني والتركي المتكرر يكون بين فترة وأخرى فتتصاعد العمليات العسكرية على الحدود وتهدأ بأوقات مقصودة ومتعمدة ولها أبعاد سياسية، وذلك لامتحان رد فعل الجانب الآخر، العراقي بالنسبة لتركيا أو الأميركي بالنسبة لإيران. نعتقد أن وجود كل المجموعات المسلحة والإرهابية في العراق مرفوض بموجب الدستور ولكن للعراق انشغالات أخرى أهم وأكبر ومعركتنا الحقيقية في شوارع بغداد الآن مع الإرهاب وليس في جبال الشمال وهذا الأمر لا يلغي دور حكومة إقليم كردستان كونها طرفاً في القضية فعليها أن تتخذ إجراءات لمنع تسلسل الإرهابين بقدر استطاعتها. عموماً عمليات القصف المؤسفة أدت الى تشريد الكثير من الأهالي وتدمير غابات وقرى عديدة. بالانتقال الى ملف العلاقات العربية، فبعد مرور سبع سنوات على التغيير في العراق لم يتمكن النظام الجديد من إعادة البعثات الديبلوماسية العربية جميعها أو أن يقيم علاقات متميزة معها، لماذا؟ - حالياً لدينا عشر بعثات ديبلوماسية عربية وهذا عدد جيد وبينها دول أساسية كمصر وهي أكبر دولة عربية وقد نجح العراق بالحصول على قرار في قمة ليبيا بعقد القمة العربية المقبلة في العاصمة بغداد والذي يعد إنجازاً كبيراً ولم يتم بسهولة وبذلنا فيه جهوداً مضنية وقاتلنا في سبيل تحقيقه، فبعض الدول ولا أريد تسميتها كانت رافضة هذا القرار على رغم انه حق طبيعي للعراق. بعض الدول لم تفتح سفاراتها في بغداد بسبب الأوضاع الأمنية أو لديها مواقف من العملية السياسية في العراق، لكننا نعمل على اعادة العلاقات الى طبيعتها مع جميع الدول العربية فمن جهتنا لا توجد أية معوقات أو موانع. قبل عام تقريباً توترت العلاقة مع سورية ووصلت الأزمة بين البلدين الى ذروتها وطالبتم بتدويلها. ما حقيقة الموقف الآن مع دمشق وهل تراجع العراق عن طلب التدويل؟ - الحقيقة ان الحكومة العراقية لم تطلب ومنذ تفجيرات آب (أغسطس) من العام الماضي في بغداد محاكمة سورية ولم نوجه اليها الاتهام مطلقاً، ولكننا نتهم عراقيين ينتمون الى حزب البعث المنحل يقومون بأعمال مسلحة ضد العراق وهم موجودون على الأراضي السورية. طالبنا بوضع حد للنشاط المسلح لهؤلاء البعثيين بطردهم أو تسليمهم او منعهم على الأقل من التحرك وإذا لم يحدث ذلك نلجأ الى القانون الدولي، وهذا حق مشروع لأن الحكومة السورية تنكر وجودهم لديها أصلاً، لذا شكلت لجنة تقصي الحقائق من قبل الأممالمتحدة وقد زارت بغداد وأعدت تقريرها وهذه اللجنة لا تزال قائمة. والآن ما هي طبيعة العلاقة؟ - مع سورية دائماً نطالب بعلاقات طيبة فليس لدينا مصلحة في أن تتوتر مصالح العراق مع أي دولة في العالم خصوصاً اذا كانت دولة عربية أو إسلامية، وكنا مضطرين الى استدعاء السفراء كإشارة عدم رضا لا أكثر ولا أقل، والعلاقة لم تنقطع مع دمشق، فاتصالات وزيارات وفود الكتل البرلمانية والقادة العراقيين لم تنقطع، وهذه الزيارات بصراحة تضعف موقف العراق في موضوع التحقيق الدولي. لننتقل الى أزمة تشكيل الحكومة، الإدارة الاميركية توقعت إنهاء الأزمة بعد أكثر من شهرين على أقل تقدير هل توافق على هذا الرأي؟ - لا أخفي سراً إذا قلت ان مسألة تشكيل الحكومة أصبحت معقدة اكثر من أي وقت مضى بسبب طول المدة الزمنية منذ تصديق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات ومراوحة حوارات الكتل في محلها. منذ ذلك الحين ولم يحدث أي انفراج حتى اليوم. بصراحة العملية ليست سهلة ولا أستطيع أن أعطي مواعيد زمنية لأن الأزمة السياسية والدستورية قائمة ولكن كل يوم يمضي من دون حكومة دستورية هو خسارة للعراق لأن الوضع لم يعد مقبولاً من قبل الجميع وعلى ما يبدو فإن ثقافة المساومة او التنازل والحلول الوسط لم تعد موجودة في العراق. بصفتك عضواً مفاوضاً في «ائتلاف الكتل الكردستانية» ما هو موقف الأكراد من الأزمة، وهل يوجد خلاف داخل الائتلاف حول ترشيح علاوي او المالكي لرئاسة الحكومة؟ - أستطيع تأكيد عدم وجود أي خلاف او تعارض في الرأي داخل الائتلاف الكردستاني وليس لدينا أي مرشح مفضل لرئاسة الحكومة. توجهنا واحد ومحدد في ورقة العمل التي قدمناها الى جميع الكتل البرلمانية والمرشحين لمنصب رئاسة الوزراء وتحالفنا مع أي كتلة او مرشح سيعتمد على مدى قربه او بعده عن توجهاتنا او مطالبنا المذكورة في تلك الورقة واستجابته لها. وماذا تتضن هذه الورقة؟ - الورقة لم تتضمن شروطاً بل مبادئ عامة، تتعلق بقضايا وطنية وليست كردية، وحول نظرتنا الى طريقة الحكم وعمل الحكومة في المرحلة المقبلة وطريقة التوافق والشراكة السياسية ورؤيتنا الى طبيعة المجلس السياسي للأمن الوطني وما الى ذلك من مبادئ نعتقد بضرورة تطبيقها، هذا إضافة الى المطالب الكردية المعروفة وأبرزها تطبيق المواد الدستورية المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها. في ظل التعقيد الكبير في الأزمة هل تتوقع إعادة الانتخابات التشريعية؟ - لا أعتقد بإمكان إعادة الانتخابات التشريعية... هذا أمر مستبعد جداً. ماذا عن خروج العراق من الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. فقرار مجلس الأمن رقم 1483 نهاية عام 2008 نص على إخراج البلاد من هذا البند لكن هذا لم يتحقق، لماذا؟ - كان هناك مجموعة من الإجراءات يجب على العراق تطبيقها خلال عام فهناك ثلاثة محاور او ملفات أساسية تتعلق بقرارات مجلس الأمن تجاه العراق منذ عام 1990 يجب إغلاقها تباعاً حتى نتمكن من الخروج من طائلة الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. أولاً في ما يتعلق بنزع اسلحة الدمار الشامل ونحن على وشك إنهاء هذا الموضوع خلال فترة وجيزة من الزمن. وثانياً مجموعة القرارات المتعلقة ببرنامج النفط مقابل الغذاء، وعملياً هذا الملف مغلق ولكن توجد بعض العقود القليلة التي تدور خلافات حولها بين العراق وبين مجموعة من الدول لديها أموال لا بد من تصفيتها وتسويتها، أما المجموعة الثالثة من القرارات فتخص الحالة بين العراق والكويت. ومتى سيتم إنهاء كل هذه الملفات؟ هل هناك وقت محدد؟ - لا يوجد موعد محدد لكن الأمور اقتربت من الحل في كثير من الملفات كإغلاق بعض الملفات المتعلقة بالعقود المتبقية من برنامج النفط مقابل الغذاء وتسوية المطالبات القانونية للمدنيين الأميركيين على الحكومة العراقية، فهناك مواطنون أميركيون اعتقلوا أثناء احتلال العراق الكويت عام 1990 وتم تعذيبهم وإهانتم إبان حكم صدام حسين في المعتقلات وسجلوا دعاوى في المحاكم. الحكومة العراقية الحالية تخلصت من الكثير من هذه الدعاوى وبقي جزء منها واضحاً وصريحاً لا يقبل الشك وهو بحدود 6 الى 8 دعاوى فقط، وسنوقع قريباً على اتفاق لتسويتها ولن ندفع مليارات الدولارات كما كان يطالب هؤلاء وكان عددهم آلاف. العقود الباقية من برنامج النفط تمت تسويتها ايضاً وهذا سيساعدنا في توفير حماية أكبر للأموال العراقية في «صندوق التنمية العراقي». اتخذنا سلسة من الإجراءات المصرفية في سبيل حمايتها ولكن الحماية الموجودة لها حالياً هي الأقوى وهي الحماية الاميركية وسنقرر لاحقاً تجديدها أو لا. وعن التعويضات الكويتية هل لديكم خطط لتسويتها؟ - في ما يخص الكويت لم تحل مشكلة التعويضات على رغم وجود تقدم في بعض المجالات بين الجانبين ولكننا لم ننهِ المشكلة كلياً لأن قرار إنهاء هذا الملف قرار سياسي لإنجاز التسوية الأساسية مع الكويت وهو يتعلق بإعادة الاعتراف بالقرار 833 وهو القرار الذي يتعلق بالاعتراف بالسيادة والحدود المرسومة في هذا القرار ويعد المفتاح الرئيس لإنهاء وتسوية المشكلة، والحكومة الحالية لم تستطع لأسباب كثيرة اتخاذ مثل هكذا قرار لذا تم تأجيله الى الحكومة المقبلة التي سنقدم لها ورقتين لا اكثر تتضمن العمل المتبقي والواجب إتمامه لإخراج العراق في شكل نهائي من الفصل السابع. سمعنا عن مطالبات إيرانية بتعويضات عن حرب الثماني سنوات هل ستشكل التعويضات الإيرانية عقبة جديدة في طريق إخراج العراق من الفصل السابع؟ - لا، لا أعتقد ذلك، موضوع التعويضات الإيرانية أثير في الإعلام فقط وهو غير مطروح حالياً على الحكومة العراقية.