توفي أمس عاهل تايلاند بوميبول أدوليادي الذي أمضى 70 سنة في الحكم، ما جعله أطول ملوك العالم بقاءً على العرش. وبرحيله تدخل تايلاند حقبة جديدة، إذ كان الثابت الوحيد وسط تحوّلات داخلية وخارجية، وشكّل حضوره «شبه المقدس» ضمانة لاستقرار بلاد عانت اضطرابات خلال العقد الأخير الذي شهد انقلابَين. وأعلن رئيس الوزراء التايلاندي الجنرال برايوت تشان أوتشا، أن ولي العهد الأمير ماها فاجيرالونكورن (64 سنة) أكد أنه سيؤدي واجبه باعتباره وريثاً للعرش منذ العام 1972، قبل أن يخلف والده. وكان برايوت ذكر أن ولي العهد «طلب منحه وقتاً للحداد مع الشعب التايلاندي». أتى ذلك بعد جلسة استثنائية للبرلمان التايلاندي، لم تشهد توجيه دعوة إلى ولي العهد لتسلّم العرش. وأعلن القصر الملكي وفاة بوميبول (88 سنة) «بسلام في مستشفى»، مشيراً إلى أن وضعه الصحي «لم يتحسّن إطلاقاً». وكان الملك أُدخل المستشفى قبل سنتين، وبقي هناك في شكل شبه متواصل للعلاج من التهاب رئوي وآلام في الرأس. ولم يظهر علناً منذ نحو سنة. وقطع كل شبكات التلفزة برامجه، لتكتفي بشاشة رمادية، فيما تجمّع مئات من المواطنين في المستشفى وهم يبكون رحيل الملك. وأعلن برايوت حداداً لسنة في المؤسسات الحكومية، وتقليص كل نشاطات «الترفيه» شهراً. وحضّ التايلانديين على «التيقّظ لضمان السلامة» في البلاد. بوميبول الذي وُلد في الولاياتالمتحدة عام 1927، تولّى العرش عام 1946، بعد وفاة شقيقه الأكبر أناندا إثر إصابته برصاصة في حادث غامض. وانسحب من الحياة العامة في العقد الأخير، بسبب مرضه، وتجنّب التعليق على الأحداث السياسية التي هزّت تايلاند في السنوات الأخيرة، بما في ذلك انقلاب عسكري أبيض عام 2014. وعلى رغم هالة التمجيد التي رافقته، وتمتعه مع الملكة وولي العهد بحصانة قانون يجرّم أي مسّ بهم، استخدم الملك الراحل نفوذه لتوحيد بلاد منقسمة بين نخب موالية للملكية (عُرفوا بلونهم الأصفر الملكي) وأنصار رئيس الوزراء السابق تاكسين شيناواترا (عُرفوا بلونهم الأحمر)، إذ زار المناطق الريفية الفقيرة في مختلف أنحاء تايلاند. كما سعى إلى حماية استقرار تايلاند، فيما كانت دول مجاورة تسقط أمام قوى شيوعية خلال الحرب الباردة، مثل كمبوديا ولاوس وفيتنام الجنوبية. وسيواجه ولي العهد الذي عاد الأربعاء من ألمانيا، حيث أمضى سنوات، عبء الحضور الأسطوري لوالده، كما أنه لا يحظى بمكانته لدى الشعب، خصوصاً بسبب طبعه وإشاعات تلاحقه وثلاث زيجات عاصفة. ويحمل ولي العهد رتبة جنرال فخرية في الجيش، وتلقى تدريباً عسكرياً في أكاديمية دانترون الأسترالية. وفي السنوات الماضية كان يمثّل والده في المناسبات الرسمية، لكنه نادراً ما ألقى خطباً. وقال الأمير ماها فاجيرالونكورن في مقابلة نادرة عام 1987: «بعضهم يحبّني وبعضهم لا يحبّني، هذا حقهم. أينما تذهب هناك القيل والقال، وإذا انشغلت بذلك لا تجد وقتاً للعمل». وأضاف: «حاول والداي تربيتي في شكل عادي، لكن كثيرين حولنا يحاولون نيل حظوة». وكانت الملكة سيريكيت وصفته خلال زيارة إلى الولاياتالمتحدة عام 1982، بأنه «دون جوان»، وزادت: «إذا لم يوافق الشعب على سلوك ابني، عليه إما أن يغيّر سلوكه، وإما الاستقالة من العائلة المالكة». وأشاد الرئيس الأميركي باراك أوباما بذكرى ملك تايلاند، إذ وصفه ب «صديق مقرّب للولايات المتحدة وشريك قيّم للعديد من الرؤساء الأميركيين». كما اعتبره «مدافعاً بلا كلل عن تطور بلاده». أما وزير الخارجية الأميركي جون كيري فذكّر بأن الراحل هو «العاهل الوحيد في التاريخ الذي وُلد» في الولاياتالمتحدة، مشيداً بعلاقة خاصة «نسجها بين شعبينا».