سلط البنك الدولي في سابقة من نوعها، الأضواء على المساعدات التي تقدمها الدول العربية الغنية لغرض مكافحة الفقر ودعم التنمية، ما يعرف اصطلاحاً في البنك وبقية المنظمات العالمية ب «المساعدات الانمائية الرسمية»، إلى شقيقاتها الدول العربية والاسلامية وعشرات الدول الفقيرة والنامية المنتشرة في معظم القارات، لا سيما أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية. وأكد تقرير أعدّه فريق كبير من خبراء البنك المتخصصين بالتنسيق مع صناديق التنمية العربية ولجنة المساعدات الانمائية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، نشر أمس، أن الدول العربية المانحة، وتحديداً المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، كانت الأكثر سخاء على الصعيد العالمي في تقديم المساعدات الانمائية الرسمية طوال العقود الأربعة الماضية. وشدد فريق البحث في مجموعة مثيرة من الاستنتاجات، على أن «المساعدات العربية التي لم تستوف حقها في البحث والدرس لعبت دوراً مهماً في تمويل التنمية العالمية ما بين عامي 1973 و2008». وأشار على سبيل المثال إلى أن المانحين العرب، وجميعهم غير أعضاء في «لجنة المساعدات الانمائية»، انفردوا بتقديم ثلث المساعدات الرسمية العالمية في سبعينات القرن الماضي، التي شكلت الانطلاقة الفعلية لمسار تمويل التنمية العالمية. ووفقاً لخبراء البنك، بلغ حجم المساعدات العربية الرسمية على مدى 36 سنة نحو 272 بليون دولار. ومن بين المانحين العرب ساهمت السعودية والكويت والإمارات مجتمعة بنحو 90 في المئة من المساعدات العربية بما يوازي 1.5 في المئة من الدخل القومي للدول الثلاث في المتوسط، أي ما يزيد على ضعفي النسبة المعيارية التي حددتها الأممالمتحدة (0.7 في المئة) وخمسة أضعاف متوسط الدول الصناعية ال24 أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (0.3 في المئة). واتسمت مساعدات أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الذين تجمعهم «لجنة المساعدات الانمائية»، بالثبات عند مستواها المتدني طول فترة العقود الأربعة. في المقابل، تأثرت المساعدات العربية بتقلبات أسعار النفط، لكنها حافظت على سخائها النسبي في كل الأوقات. وبلغ متوسط ما قدمته السعودية والكويت والإمارات في سبعينات القرن الماضي، نحو 4 في المئة من مداخيلها القومية، ثم تراجعت هذه النسبة إلى 1.5 في المئة في الثمانيات و0.8 في المئة في التسعينات وأخيراً إلى 0.5 في المئة في الفترة من عام 2000 إلى 2008. (الدخل القومي يزداد من سنة إلى أخرى، وتالياً قد لا يُعدّل انخفاض النسب المئوية حجم الأموال المتبرع بها). وأوضح خبراء البنك الدولي في مؤشر إضافي على سخاء المانحين العرب، أن المساعدات الرسمية العربية شكلت في المتوسط 13 في المئة من المساعدات الاجمالية التي قدمتها الدول الصناعية في الفترة المعنية بالبحث، واقتربت من ثلاثة أرباع حجم المساعدات الانمائية المقدمة من مجموعة تضم 20 بلداً من البلدان غير الأعضاء في «لجنة المساعدات الانمائية»، لا سيما في الفترة من 1991 إلى 2008. ولاحظوا أن أزمة المال والاقتصاد العالمية وتعاظم الحاجة إلى الإنفاق الداخلي، لم يمنعا المانحين العرب وخصوصاً الدول العربية المانحة الرئيسة السعودية والكويت والإمارات، من رفع متوسط ما خصصته من مداخيلها القومية للمساعدات الرسمية إلى مستوى المعيار الدولي (0.7 في المئة)، أي أكثر من ضعفي متوسط الدول الصناعية، في 2008 حين بلغ حجم هذه المساعدات الانمائية العربية، وفق معطيات أولية، نحو 6 بلايين دولار. وشهدت المساعدات الرسمية العربية اتساع مجالاتها على صعيد قطاعات التمويل التي لم تعد تنحصر في تمويل مشاريع البنية التحتية، كما على صعيد الدول المتلقية التي لم تعد تتركز في الدول العربية والاسلامية، بل أصبحت تشمل تشكيلة واسعة من الدول في أفريقيا مثل بوركينا فاسو ومالي والسنغال، وفي آسيا مثل منغوليا وكمبوديا ونيبال وسريلانكا وفيتنام، وفي أميركا اللاتينية مثل بليز وهندوراس وسانت لوسيا. وخصص المانحون العرب 25 في المئة من مساعداتهم الانمائية إلى الدول الفقيرة والمنخفضة الدخل في تسعينات القرن العشرين، ثم ضاعفوا النسبة في العقد الحالي، كما ضاعفوا مساعداتهم إلى الدول الأكثر فقراً جنوب صحراء القارة الأفريقية. لكن 10 دول عربية وإسلامية، هي سورية ومصر والأردن والمغرب واليمن والسودان وباكستان والبحرين ولبنان وعمان، تلقت نصف المساعدات الرسمية العربية (136 بليون دولار)، وانفردت سورية ومصر بنحو 47 في المئة من المبلغ، تلتهما من حيث حجم المساعدات، الأردن والمغرب واليمن وفي درجة أقل السودان، بينما بلغ متوسط مساعدات باكستان والبحرين ولبنان نحو 4.5 بليون دولار.