تباينت ردود أفعال ناشطين على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» حول حكم قضائي أصدرته المحكمة العامة في العيينة، يقضي بخلع زوجة عن زوجها في قضية «تكافؤ النسب» التي استمرت جلسات عدة على مدار أشهر. وأنشأ مغردون وسماً بعنوان «قاضي العيينة يخلع زوجة عن زوجها»، عبروا خلاله عن آرائهم التي تباينت بين الرفض والتبرير. وكتب العباس الشنقيطي أن «القاضي اجتهد، وهذا الاجتهاد تقيِّمه محاكم الاستئناف بعيداً من العواطف»، بينما رأت «بدور» أن الخطأ يقع في الأصل على الأب، قائلة ان «الخطأ في الأصل من الأب، لماذا لم يسأل ويتقصى جيداً قبل الشروع في الزواج». وقالت ريناد القاضي: «آلاف القضايا نسمع فيها عن نساء ينتظرن الخلع لسنوات، بينما نرى فرض الخلع لأزواج يريدون الاستمرار بزواجهم». وكانت محكمة العيينة أصدرت حكماً بفسخ نكاح فتاة سعودية من زوجها المرابط على الحدود الجنوبية قبل ولادة طفلها الأول، بحجة عدم تكافؤ نسبيهما. وجاء هذا الحكم بعد رفع أعمام الزوجة إلى إحدى محاكم مدينة الرياض «قضية فسخ». فيما لجأت الزوجة إلى بث معاناتها في مواقع التواصل الاجتماعي، عبر مقطع مصور، آملة من الجهات المعنية إعادة النظر في قضيتها. وتداول مغردون مقطعاً مصوراً للزوجة، التي وُصفت ب«المكلومة»، أكدت من خلاله أنها تزوجت قبل أشهر بموافقة أخيها، كونها كسبت دعوى «عضل» ضد والدها الرافض تزويجها، وقالت الزوجة في المقطع إنها «حامل في شهرها الثامن، ولا تريد سوى سلامة طفلها والعيش مع زوجها بمثابة أسرة طبيعية». وذكرت الزوجة أنها عاشت يتيمة منذ أن كان عمرها خمس سنوات، بسبب أن والدها لم يكن يهتم بها، وظلت تقيم مع أخوالها، بينما كان والدها يرفض تزويجها من كل من تقدم إليها، من دون أعذار منطقية، وأشارت إلى أنها اضطرت إلى رفع «دعوى عضل» ضده، وتم الحكم لمصلحتها، ومن ثم زوّجها أخوها لمواطن يعمل رجل أمن، وأكدت «الزوجة» أن أعمامها بعدما علموا أنها حامل رفعوا دعوى عدم تكافؤ نسب، وتم تطليقها على رغم مخالفة ذلك للشرع، مشيرة إلى أن القاضي لم يمنحها وزوجها الفرصة الكافية للدفاع عن قضيتهما. وقال عضو الأمان الأسري بالحرس الوطني المحامي والمستشار القانوني محمد الوهيبي ل«الحياة» في نيسان (أبريل) الماضي إن فسخ النكاح معمول به تجنباً لما قد ينتج منه من قطيعة للأرحام، بعد زواج الفتاة من رجل ليس من الرجال الأكفاء من حيث النسب، إضافة إلى ما ينتج من هذا الزواج من مضار تمتد إلى بقية أفراد الأسرة، مثل عدم زواج بقية أخوات الفتاة وتضررهن بزواج أختهن، وكذلك الأضرار التي تمتد إلى الزواج ذاته من اضطراب الحياة الزوجية بسبب التفاوت الاجتماعي بين الزوجين، مؤكداً أن فسخ النكاح لعدم تكافؤ النسب يعود إلى سلطة القاضي التقديرية في النظر إلى الضرر وحجمه الذي وقع على الأسرة بأكملها، ويجب إثبات هذا الضرر أمام القضاء، وأنه لا يمكن إزالته إلا بفسخ عقد النكاح. وأضاف أن «المعمول به في المحاكم السعودية هو ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام والقواعد الشرعية، ك(لا ضرر ولا ضرار)، وقول الخليفة عمر بن الخطاب: «لأمنعن تزوج ذوي الأحساب إلا من الأكفاء». وأشار إلى أن الزواج غير المتكافئ يتحمل نتيجته ولي أمر الفتاة، لعدم سؤاله عن المتقدم لخطبة من تحت ولايته وإجبارها، وتابع: في بعض الحالات تتقدم الأنثى بدعوى عضل ضد الولي، ليتسنى لها الزواج، إلا أن المتقدم للخطبة أيضاً قد يقوم بالتدليس والخداع وإخفاء حقيقة نسبه عن أهل الفتاة، وللولي هنا طلب إبطال عقد النكاح لوقوعه في التدليس وليس الفسخ، وللقاضي القضاء بعقوبة تعزيرية لزوج الفتاة؛ لقيامه بالتغرير والمخادعة، مؤكداً أن القاعدة في هذا الأمر هي: «إذا كان زواج الفتاة لا يترتب عليه ضرر يجب عدم فسخ نكاحها، ولكن إذا ترتب على الزواج ضرر أكبر من الضرر الذي يترتب على الفسخ فإن مصلحة الأسرة تقدم على مصلحة الفتاة». واكد الوهيبي انه يحق للأسرة رفض من لا يجدونه مكافئاً لنسبهم أو غير ذلك، لقول الرسول، عليه الصلاة والسلام: «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس». ولا يجب فسخ عقد النكاح بعد إبرامه؛ إلا بوجود ضرر واضح لا يمكن إزالته إلا بفسخ النكاح. وقالت الفتاة في تصريح إلى «الحياة» في نيسان الماضي انه «على رغم التفاعل الكبير الذي لاقته قضيتي مع زوجي في الوسط الاجتماعي فإنها تسببت لي بضغوط ومضايقات كبيرة، وأدت مع إصرار أهلي إلى العودة إليهم، وترك حياتي الزوجية نظراً إلى ما زعموه من عدم تكافؤ نسبي مع نسب زوجي، على رغم تمسكي»، مؤكدة أن تفاعل الحقوقين مع القضية كان إعلامياً فقط، وقالت: «لم تتصل بنا أية جهة حقوقية ذات صلة، على رغم تفاعلهم مع القضية». وأوضحت أن «موضوع التدليس الذي اتخذه أهلي حجة لفصلي عن زوجي لا أصل له، وهو عار من الصحة تماماً، وخصوصاً أن فترة خطوبتي من زوجي امتدت أكثر من سنة، وهو وقت كاف وطويل للسؤال والتحري عن نسبه»، وتابعت: «التدليس ليس الحجة الوحيدة التي يتذرعون بها لفصلي عن زوجي، إذ اتهموا زوجي بإلحاق الضرر بي، وأيضاً اتهموني بصغر السن وعدم القدرة على اتخاذ القرارات». وفي أيار (مايو) الماضي قدم الزوج لائحة اعتراض للقاضي على حكم «الخلع» بعد 15 يوماً من صدور الحكم، الذي قرر بدوره وبعد اطلاعه على اللائحة فتح ملف القضية مجدداً وإعادة استئناف الجلسات. ووفقاً لمصادر تحدثت إلى «الحياة» آنذاك، فإن القاضي استأنف الجلسات في حضور الأطراف كافة، وتمت مناقشة لائحة الاعتراض والاطلاع عليها، كما قبل القاضي حضور الشهود لإثبات نسب الزوج، كما حدد يوم الخميس المقبل موعداً للجلسة المقبلة. القاضي الذي نفت وزارة العدل في بيانها الصادر عن القضية أنه حكم بخلع الزوجين بسبب عدم تكافؤ النسب، خصص جلسته آنذاك للحديث عن محور نسب الزوج، إذ وافق بحسب مصادر خلال الجلسة على سماع شهادة الشهود، وطرح حل استخلاف قاضي إحدى المناطق للاستماع إلى الشهود. كما خلت الجلسة أيضاً من طرح ما ذكرته وزارة العدل من تزوير لنسب الزوج أو التدليس. وكانت وزارة العدل أكدت في بيان وحيد خرجت به قبل فترة عن الواقعة، أن «المبادئ والقرارات القضائية لا تفرق بين الأزواج لعدم تكافؤ النسب، وأن الأصل هو الكفاءة في الدين»، مشيرة إلى أن الواقعة الحالية تم الحكم الابتدائي فيها بخلع الزوجين بسبب تدليس نسب الزوج، ما دفع الزوجين إلى الإصرار على استئناف القضية على أمل كسبها وإعادة حياتهما الزوجية، التي أوقفتها رغبة أهل الزوجة الشديدة في الانفصال. وتقدم الزوج بلائحة اعتراض تم على إثرها استئناف الجلسات. وينص نظام المرافعات الشرعية على أنه عند تقديم لائحة الاعتراض على الحكم يجوز للدائرة التي أصدرت الحكم أن تعيد النظر فيه من ناحية الوجوه التي بني عليها الاعتراض من غير مرافعة، ما لم يظهر مقتضى لها. وفي آب (أغسطس) الماضي طالب محامي أسرة الزوجة، بعزلها عن سكن زوجها، وإيداعها في دار للحماية إلى حين صدور الحكم في القضية. وعلمت «الحياة» أن جلسة المحاكمة عقدت في حضور أربعة شهود، منهم اثنان من غير قبيلة الزوج (أنساب الزوج من قبيلة أخرى)، للإدلاء بأقوالهم، وتسجيل شهادتهم في إثبات نسب قبيلة الزوج، فيما أمهل القاضي المدّعين من ذوي الزوجة المفسوخ عقد نكاحها (قسراً) أسبوعين لسماع ردهم على الشهادة المسجلة. وعلى رغم تأكيد وزارة العدل في بيانها الوحيد عن قضية «الفسخ»، أن الحكم الابتدائي بخلع زوْجَيْ قضية «تكافؤ النسب الأشهر» جاء بسبب التدليس، وأن المبادئ والقرارات القضائية لا تفرق بين الأزواج لعدم تكافؤ النسب، وأن الأصل هو الكفاءة في الدين، إلا أن الجلسات التي تعقد حالياً تتناول نسب الزوج، ومحاولة إثباته، واستخلفت المحكمة قاض آخر في جنوب المملكة، للاستماع إلى شهادة شيخ قبيلة الزوج، بعدما أصرّ أهل الزوجة على التشكيك في نسبه.