لعلنا لا نعثر على شاعر أغنية لبناني كتب أعداداً لا تحصى من النصوص المفصّلة لتكون أغاني، بمثل ما فعل الراحل مارون كرم. ما أنشده له المغنون والمغنيات، على كثرته، كان قليلاً أمام نصوص نشرها في كُتُب شعرية. ولا نبالغ إذا قلنا إنه شاعر الأغنية الوحيد في لبنان الذي كان يعتز جداً بما كَتَب من الأغاني، ولفرط اعتزازه أعاد نشرها طباعياً بعدما تم نشرها عبر أثير الأغاني وهواء الإذاعات، وهذا ما كان غالباً يكفي شعراء الأغنية عموماً، أما مارون كرم فلا. لقد كان يريد أن يقرأه الجمهور، كما كان يسمعه، وكانت أحلى المتع عنده ان يقدّم لصديقٍ كتاباً أو ديواناً فيه شعر وفيه ذكريات وفيه صُوَر الماضي التي لا ترحل. وبتلك القوة الوجدانية الدفاقة التي كانت تحركه، وبذلك العزم الاستثنائي الذي كان في قلبه وعقله... عَبَرَ مارون كرم عشرات الأصوات الكبيرة في لبنان. أرشيف الإذاعة اللبنانية هو الحاضن الأكبر لنتاجه الشعري، وغرف الإذاعة هي المكان الذي كان الأحب اليه، ومن لم يرَ مارون في الإذاعة مستقبلاً ومودّعاً كباراً وصغاراً من الفنانين في الغناء والتلحين والتوزيع، كأنما غابت عنه المرحلة الذهبية من عمر الانتاج الفني الغنائي الذي شارك فيه عن كثب، شاعراً، ومشرفاً على النصوص، وصديقاً للجميع. وكان لا يضع حدوداً لمستوى الأصوات التي يتعاون واياها فكان وديع الصافي من مغنّيه، كما كان أشخاص لا يذكرهم الزمن بشيء. وفي كل حالاته، كان مارون يكتب الاغاني كأنه يحب مع كل أغنية امرأة أو يفارق امرأة او يغازل امرأة أو ينتقد امرأة، ومع الحب والفراق والغزل والانتقاد كان يحمِّل الرجل، بدوره، حملاً ثقيلاً. كان مؤمناً بالحب الصافي... غير أن الحزن الأبلغ كان يعصر قلبه، لأن كثيراً من النجوم الذين شارك في «صناعتهم» ابتعدوا عنه، حتى في البعد الإنساني. نسوا أو تناسوا كما كان يقول. وحتى أواخر أيامه كان ينتظر رنين الهاتف ليسأل عنه أحد أو ليطمئن عليه أحد. مات شاعراً، وشاعراً بالأسف شعوراً مدوياً، فما في عقله من المُثُل والأخلاقيات كان يصطدم بما في عقول أغلب النجوم من المصالح والأنانية. هكذا كان يعلن. وهذا هو الواقع.