تؤثر الطبيعة في الإنسان تأثيراً كبيراً من خلال تعاطيه المستمر مع الأشياء من حوله، ومدى استقبال عينيه لها والعلاقة التي تنشأ بينهما بمرور الزمن، لكنها بالطبع تختلف مع الفنان والمبدع الموهوب ورغبته الجامحة في توظيفها كبُعدٍ جمالي مغاير في أعماله الإبداعية، سواء أكان ذلك كتابياً أم لونياً أم فوتوغرافياً، ولعلنا نلمس ذلك جلياً في معظم الأعمال التي احتضنها معرض الفوتوغرافيين الجماعي الثاني الذي نظمته جمعية الثقافة والفنون في جدة في بيت الفنانين التشكيليين بمركز الجمجوم على شاطئ البحر، وافتتحه عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالله المعطاني، إذ حضرت الطبيعة البكر والذاكرة المكانية في مختلف الأعمال ال90. واستطاعت عدسات بعض المصورين التقاط الدهشة من أفواه الجمادات والكائنات بمختلف أنواعها وتحويلها إلى لوحة فنية ممتلئة بكثير من الأسئلة والقضايا التي ربما لم تخطر على بال منجِزِها وتحتاج إلى كثير من الإجابات والتعليق، في حين بدت بعض الأعمال متأثرة إلى حد كبير بالقدرة التكنولوجية كبرامج الفوتوشوب وسواها، والانغماس في تعاطيها إلى درجة الانكشاف أمام المتلقي الذي يطمح إلى الارتقاء بالموهبة الحقيقية وتقديم المعالجات الفنية، بدلاً من الاعتماد المباشر على البرامج التقنية، حتى تسهم التجارب الحيّة في النهوض بهذا اللون من الفنون والتعبير عنه بكثير من المتابعة والاطلاع على رواد هذا الفن العالمي وليس بالطبع تقليداً لهم. وحسناً فعلت جمعية الثقافة والفنون في جدة بتعريفنا بتجارب من السعودية ودول الخليج والمغرب العربي، وهي التي يقول عنها مدير الجمعية عبدالله باحطاب إنها «قدمت ما لديها ونحن نعرضها ليتناولها النقاد بالتشريح والتحليل والاهتمام بهذا الفن والذي نأمل أن يرتقي به الجميع قريباً من خلال الدعم والمتابعة». وقال الدكتور المعطاني: «لمست في بعض الأعمال قدرةً فنيةً رائعةً تعبر عن الحياة والإنسان ورمزاً تعبيرياً جميلاً لمكانة الفن والحضارة في هذا البلد العزيز، وقد كان في الأعمال ما يستحق الوقوف والتأمل والقراءة الواعية، لأن المعرض يعطي بعداً تعبيرياً ودلالياً لكثير من قضايا المجتمع وهمومه». واعتبر مدير بيت التشكيليين سامي الدوسري أن المعرض «يحمل إبداعاً فنياً لافتاً والبيت يسعى دائماً لتقديم معارض بهذا المستوى، خصوصاً بعد إعادة الروح إليه بعد انقطاع دام أكثر من عام ونصف». وزاد: «لدينا كثير من المشاريع التي سنقدمها خلال الأشهر المقبلة والارتقاء بالحركة التشكيلية في هذا الوطن». إن ما تجدر الإشارة إليه هو أن الفئة العمرية للمشاركين متقاربة، خصوصاً عند الفتيات اللاتي يجدن في العدسة فسحة كبيرة للتعبير عن همومهن ورغباتهن في الشراكة المستمرة للنهوض بفنون هذا البلد وآدابه.