تفقد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني مسجد البسطة الفوقا الذي تعرض لحريق أثناء الأحداث الأخيرة التي حصلت بين مسلحين من «حزب الله» وآخرين من «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية» (الأحباش) الثلثاء الماضي في بيروت. وألقى قباني خطبة الجمعة، وأم المصلين في المسجد، وكان في استقباله ممثلون عن «جمعية المشاريع» الشيخ عبدالقادر فاكهاني وبدر الطبش، وحضر إلى جانب مفتي الجمهورية النائب عمار حوري ممثلاً رئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة (وكان حوري جال في منطقة برج أبي حيدر وتفقد الأضرار بتكليف من رئيس الحكومة سعد الحريري)، والنواب عماد الحوت (الجماعة الإسلامية) ومحمد قباني ومحمد الحجار، رئيس بلدية بيروت بلال حمد، رئيس جمعية «المقاصد» أمين الداعوق، وحشد من المواطنين. وقال قباني في خطبة الجمعة: «الجروح التي ألمت بمدينتنا بيروت بالأمس لا يسر لها إنسان، ولا يرضى عنها الله عز وجل، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، كيف الرضا والأحياء تفقد أمنها؟ كيف الرضا والأرزاق تشهد ضياعها؟ كيف الرضا والأنفس تخسر أنفسها؟ كيف الرضا والمساجد تنتهك حرمتها؟ والأشياء لا بد أن تسمى بمسمياتها، كشفت البيوت والشوارع، وأصبحت عرضة لنيران القتل الغادرة، وأصاب التدمير الممتلكات، وسقط الجرحى، وسال الدم البريء، أهذه هي بيروت التي أردنا؟ أهذه بيروت التي نريد؟ لا والله، إن العاصمة التي نريدها لا تشبه بيروت على تلك الصورة، ولبناننا ليس لبنان برداء القتل والتدمير ذاك». وشدد على أن «الدولة اللبنانية ورؤساءها ووزراءها ونوابها وأمنييها وعسكرييها، مطالبون اليوم، بالقيام بتمام واجبهم في حفظ أمن المواطن، في وطننا لبنان، واتخاذ الإجراءات العملية، لضمان أمنه نهائياً، لا سيما الآن بعد تكرر مظاهر كانت في سنوات ظننا أنها مرت ولن تعود، ولا بد لنا من محاسبة المقصرين متى قصروا، والعابثين بالأمن متى تجرأوا، فإن التفريط في أمن المواطن جريمة كبرى، تنطوي تحتها إثارة الفتن، وإشاعة الفوضى، وإرهاب الأطفال والنساء والشيوخ، والدمار في الأموال والأنفس». وأكد أنه «لا بد للبنان أن يشهد الأمن الحقيقي في داخله، وأن توجه البنادق جميعها نحو العدو الإسرائيلي، ذلك الصهيوني المتربص بنا وبوطننا الشرور، وأن نكون جميعاً يداً واحدة في وجهه ومواجهته»، مشيراً الى أن «الوحدة الوطنية هي عمدة وطننا، وصمام أماننا، وسر قوتنا، وإن العدو الإسرائيلي وغيره من الطامعين بوطننا، ومن المستفيدين من تأجج أوضاعنا الداخلية، لطالما راهنوا ويراهنون على الفتن الداخلية في وطننا لبنان، لتحقيق غاياتهم، لكنهم لا يعلمون بأننا اليوم قد حصنا أنفسنا ووطننا في وجه الفتن الداخلية، حصيلة الأعوام الثلاثين الأخيرة من تاريخ لبنان». وتابع: «نحن أعلم اليوم بالجسد اللبناني أكثر من أي وقت مضى، وأعلم بحال أنفسنا، وإن أي رهان سيقوم على فتنة داخلية في لبنان سيكون خاسراً إن شاء الله تعالى، وإن أي محاولة لتوظيف أي حادث في فتنة داخلية، مذهبية أو طائفية، سيفشل بإذن الله تعالى، فليس هناك خلاف بين السنة والشيعة في لبنان، ولا خلاف بين المسلمين والمسيحيين في لبنان، وإن اللبنانيين سيكونون دوماً وحدة لا تتجزأ في الكيان والمصاب، ولا بد لنا أن نبقى دوماً المثل الذي يحتذى به بين الأمم». وتابع قباني: «أما الخلافات السياسية فهي مشروعة في نظامنا الديموقراطي، لكن لا بد لها من أن تبقى في حدود السياسة والسياسيين، وأن يحيّد الشارع عنها، وعسى أن تتحمل وسائل الإعلام مسؤولياتها في التخفيف من حجم أي توتر سياسي قد يطرأ، وإن من واجبنا في توحيد كلمتنا ورص صفوفنا، إصلاح ذات بين المتخاصمين من الإخوة في الوطن الواحد، وعلينا جميعاً بلين الجانب والتآخي والتصافي، والتراحم ومناصرة كل عمل يؤدي إلى وأد الفتنة في كل زمان ومكان». وقال: «أحسنوا صلتكم بربكم، وصحبتكم لهذا الشهر المبارك، وحببوا طاعة الله إلى قلوب أولادكم وأهليكم، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته». ورأى أن «العاقل من يتفكر في عواقب الأيام والليالي، وفي عاقبة أمره فيها، وما تعود به عليه هذه العاقبة، من خير وشر، ونجاح وفشل، وطاعة ومعصية، وحزن وسرور، وثواب وعقاب، فهو إن ذهبت أيامه في هذه الدنيا لا تعود ليصلح ما أفسده فيها، والسعيد من تدارك نفسه وفاز بطاعة الله تعالى ورضوانه فيها، والشقي من خرج منها ولم يحظ بغفران الله تعالى له فيها، فالأيام تمضي، والشهور تمضي، والسنوات تمضي، والعمر كله يمضي، وكل شيء هالك إلا وجهه». إعادة تأهيل وأعلن مفتي الجمهورية أن دار الفتوى ستقوم بترميم مسجد البسطة الفوقا وتأهليه ل «يعود في أبهى حلة وتقام فيه الصلوات الخمس». وأبلغ الداعوق قباني بتبرعه بمبلغ عشرة آلاف دولار من حسابه الشخصي مساهمة في مشروع ترميم وتأهيل المسجد.