قبل اربع سنوات حمل المخرج الاميركي سبايك لي كاميراته الى نيو اورليانز لتوثيق الكوارث التي جلبها «إعصار كاترينا» عام 2005 وما تركه من آثار وخيمة ما انفك الناس في الولاية المطلة على خليج المكسيك يعانون منها، وصورها في فيلم وثائقي حمل عنوان «عندما انكسرت السدود: قداس في أربع حركات» جاء في أربع ساعات ونال اهتماماً واسعاً توج ببعض الجوائز. ومع اقتراب الذكرى السنوية الخامسة لإعصار كاترينا ها هو صاحب فيلم «إفعل الشيء الصحيح» يعود الى نيو اورليانز على أمل تصوير حكاية عن انتعاش المدينة وتجدد الحياة فيها، لكنه بدلاً من ذلك، صوّر فيلماً وثائقياً جديداً حمل عنوان «بإذن الله وإذا لم ترتفع مياه الخور» مبدئياً هو فيلم سينمائي مع ان أول ساعتين منه عرضتا على تلفزيون «أتش بي أو» المستقل على ان تعرض الساعتان الاخريان بعده ضمن سياق توثيقي وتعبيري بدا إلى حد كبير متصلاً بالفيلم السابق «عندما انكسرت السدود»، وان تضمن فضلاً عن تداعيات كاترينا، التسرب النفطي الذي غمر ساحل خليج المكسيك وهو ما بدا للمخرج لي وفريقه فرصة مثالية للتذكير بالأهوال التي تعيشها المنطقة منذ سنوات وما يكابده أهلها لاستعادة حيوية لطالما ارتبطت بالسياحة الثقافية بعامة وفنون موسيقى الجاز بخاصة. علماً بأن عدداً من مهرجانات السينما بدأ يفاوض لي على عرض الفيلم. مشاهد لا تنسى ويقول سبايك لي انه بعد فيلمه السابق «عندما انكسرت السدود» قرر العودة الى نيو اورليانز تزامناً مع الذكرى السنوية الخامسة لإعصار كاترينا الذي حطم السدود المانعة لمياه البحر من الدخول الى المدينة، عله يصنع فيلماً عن مستوى الانتعاش في حياة المدينة، لكن إيقاع الفيلم تغير بسبب كارثة جديدة شهدتها المنطقة ذاتها فيما كان فريق العمل في المكان ذاته، كارثة التسرب النفطي التي شملت مناطق واسعة من ساحل خليج المكسيك. ويلفت المخرج المثير للجدل في حديث الى صحيفة «نيويورك تايمز» انه لن ينسى مشاهد مواطنين أميركيين كانوا يقفون فوق سطوح منازلهم، وهم يرفعون لافتات تقول، «ساعدني، أنقذني»، في إشارة الى مشاهد التداعيات الإنسانية لإعصار كاترينا، والنقد الغاضب الواسع الذي تعرضت له حينها إدارة الرئيس بوش بسبب بطء إجراءات إنقاذ المدينة وأهلها، ولذا خطط سبايك لي لإجراء مقابلات مع الرئيس السابق بوش ونائبه تشيني، ومهندس سياسات البيت الأبيض الجمهوري كارل روف، فضلاً عن مستشارة الامن القومي ثم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. لكن لا أحد منهم وافق على الظهور في الفيلم بل حتى حاكم ولاية لويزيانا الجمهوري، بوبي جيندال رفض ذلك، ومثله فعل أيضاً وزير شؤون الأمن الداخلي في حكومة بوش مايكل شيرتوف. ويرفض المخرج سبايك لي الفكرة القائلة بأنه موقفه المعروف بنقده الساخر للادارة الاميركية اليمينية هو ما دعا اركان الجمهوريين الى عدم الاستجابة لطلبه في المشاركة بالفيلم، مؤكداً انه لا يتفق مع وجهة نظر كهذه، وانه مخرج «عادل جداً» في تعاطيه مع الحقائق في الافلام الوثائقية، مع انه يحرص في الوقت نفسه على طرح بعض الأسئلة الصعبة على المشاركين في صنع تلك الحقائق وهو ما قد يدفعهم الى عدم المشاركة. أكاذيب شركة وبدت تغطية المخرج سبايك لي في فيلمه الجديد لكارثة تسرب النفط عامل جذب لمشاهدته، لاسيما ان الناس لا يعتقدون أن 75 بالمئة من النفط المتسرب قد اختفى كما تقول شركة «بريتش بترليوم» والسلطات الأميركية. ويؤكد صاحب فيلم «أربع فتيات صغيرات» الذي فاز بجائزة أوسكار احسن فيلم وثائقي عام 1997 انه من السذاجة الاعتقاد بأن اكبر بقعة نفط طافية في العالم يمكن ان تختفي مؤكداً، انها لن تختفي بعد 5 أو 10 أو حتى 15سنة من الآن(...). سبايك لي يستعيد بشيء من الوجع ما واجهته مدينة موسيقى الجاز ومركز الثقافة الفرنسية في اميركا: نيو اورليانز، فثمة مأساة كاترينا، وانهيار السدود، والآن التسرب النفطي الأكبر في العالم، في أقل من خمس سنوات، ما يجعله كثيراً على اهل المدينة الذين يقول لي عنهم: انهم اقوياء ويتعاملون بمرونة عالية ولكنهم مع ذلك لا يزالون بشراً، ولا يمكن لقصة معاناتهم ان تصل الى نهاية سريعة.