أعاد الرئيس نيكولا ساركوزي الاعتبار لأحد أكبر خبراء الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية السفير جان كلود كوسران بتعيينه مسؤولاً عن الاتصالات مع سورية وإسرائيل من أجل تحريك هذا المسار يوماً ما. يمثل تعيين هذا السفير المعروف بخبرته الواسعة في منطقة الشرق الأوسط خطوة ذكية من الرئاسة الفرنسية التي تطمح الى المشاركة في عملية السلام على المسار السوري - الإسرائيلي وعلى المسار اللبناني - الإسرائيلي. تولى كوسران منصب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية، وكان عمل سفيراً في دمشق في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد ثم سفيراً في تركيا والقاهرة، بعدما عمل مستشاراً في سفارات بلاده في تل ابيب وطهران وبغداد. وتولى إدارة الاستخبارات الخارجية الفرنسية ودفع ثمن الخلاف السياسي الداخلي في حكومة التعايش في عهد الرئيس السابق جاك شيراك مع رئيس الحكومة الاشتراكي ليونيل جوسبان عندما نقله شيراك من إدارة الاستخبارات الخارجية الى تولي منصب السفير في القاهرة. ثم تولى كوسران مديرية الأكاديمية الديبلوماسية في فرنسا الذي اسسها كريم آغا خان الذي تربطه علاقة جيدة بالنظام السوري. وكان ساركوزي كشف في أحد خطاباته أن آغا خان كان أحدى الشخصيات التي ساهمت في حضه على فتح صفحة جديدة مع فرنسا. ويواصل كوسران حالياً مهمته في الأكاديمية، الى جانب مهمته الرسمية التي أوكلها اليه ساركوزي، والتي سيعلنها رسمياً في خطابه اليوم (الأربعاء) في مؤتمر سفراء فرنسا في الخارج. ولكوسران معرفة واسعة في المنطقة، فهو درس في لبنان حيث كانت والدته تعلّم في إحدى المدارس الفرنسية. ويحظى باحترام وثقة من الجانب السوري وأيضاً في إسرائيل، وخصوصاً من الإدارة الأميركية. وبالنسبة الى تركيا، لا شك في أن خطوة تعيينه للاتصالات بين الطرفين السوري والاسرائيلي قد تكون مفيدة لجس النبض، لما يمكن القيام به في وقت تراجعت العلاقة التركية - الإسرائيلية، وأصبح الوسيط التركي غير موثوق من الجانب الإسرائيلي. إلا أن الجانب السوري ما زال مصراً على أن تكون تركيا الوسيط وقد سبق لساركوزي أن عرض وساطته للرئيس السوري بشار الأسد عندما زار فرنسا، لكنه أدرك أن الرئيس السوري لن يتراجع عن الوساطة التركية. وكوسران مدرك لذلك وهو سيقوم بجولة على سورية وإسرائيل وتركيا وسيجمع المعلومات لهذا المسار. ويدرك كوسران أيضاً أهمية الدور الأميركي على جميع المسارات، فقد يلتقي باستمرار المسؤولين الأميركيين وهو يحظى من الجانب الأميركي باحترام كبير لقدرته. وكان له لقاء مع فريديريك هوف معاون الموفد الاميركي جورج ميتشيل. إلا أن على رغم قدراته الكبيرة واتصالاته الواسعة بجميع الأطراف، لا يسمح الوضع الإقليمي بالتفاؤل في مهمته. فإسرائيل غير عازمة على التقدم الحقيقي نحو السلام لا مع الفلسطينيين ولا مع سورية ولبنان. وسورية تريد الوسيط التركي والدور الأساسي لاحقاً للإدارة الأميركية حتى وإن وافقت على مشاركة أوروبية. إذاً، مهمة كوسران قد تحرك الاهتمام باتصالاته والمعلومات التي يستخلصها من كل الأطراف، لكن ينبغي ألا يُقرأ فيها تطوّر خارق على مسار معطل على جميع المسارات حالياً. ولا يعني تحسن العلاقة بين باريس ودمشق أن فرنسا ستتمكن من القيام بدور الوسيط التركي. ولكن طبيعة ساركوزي أنه لا يبقى مكتوف اليدين ويريد دائماً المحاولة، واختيار كوسران موفق لهذا الغرض.