يكشف المعرض الاستعادي للنحاتة نيكي دو سان فال في قصر مالبروك ( في مقاطعة اللورين) معاناة هذه النحاتة الامرأة في وسط النحت الذكوري المعاصر . هو ما يفسر التزامها المتطرف لحركة تحرر المرأة حتى ارتبط فنها بهذه الحرية فزوجها الأول هاري موتوين أنجبت منه طفلين وهي صغيرة في العمر ( عشرون سنة). كان زواجاً فاشلاً أفضى إلى اكتئاب مرضي اضطرها للدخول إلى المستشفى للعلاج لذلك فهي ترى في ممارسة الأنثى للفن التشكيلي نوعاً من التنافس الجنسي الشفائي وهو ما يفسر أيضاً غياب الرجال الذكور في شكل عام من منحوتاتها وإذا بانوا ارتبطوا بروح شيطانية وبالحيوانات الأسطورية الشريرة مثل الثعبان. هو ما يفسر أيضاً روح الاستفزاز الجنسي في هياكلها الخصوبية المنتفخة. لعل أشهر نموذج بين هذه الأعمال الفنية المنحوتة التي تدعى « نانا مضطجعة». نانا بمعنى «الغانية» وهي منجزة عام 1966 وتسمها نحاتتنا نفسها بأنها أكبر عاهرة على الكوكب الأرضي وبخاصة لأن قياسها عملاق ولكنها في واقع الأمر توحي بالطهارة الفنية أكثر من الرغبة التحريضية هذه. ( كانت أنجزتها في استوكهولم ) . لا يخلو نحتها من الإحباط ويجسد بالتالي رغبة النكوص إلى الأشكال الطفولية أو المراهقة. تتحدث في أكثر من مناسبة عن العلبة السحرية التي رافقت أحلامها الطفولية مثل كنز علاء الدين وهي تعانق ما لذ وطاب من حكايا وتخييل ودمى وعرائس ما يفسر عنوان المعرض «حكايات الجنيات» الذي يعانق مئة عمل فني من النحت والتصوير ويستمر حتى التاسع والعشرين من الشهر الجاري. لعل أشهر أعمالها 22 منحوتة في توسكانيا - ايطاليا بعنوان «حديقة تاروت» أنجزتها خلال عشرين سنة ابتداء من تاريخ 1978. تنبه هي نفسها بأنها ثمرة تأثرها وإعجابها بحديقة « بارك غاودي» في برشلونه-اسبانيا وهي الحديقة المنجزة منذ عام 1950. تعانق حديقتها أطفالاً وملائكة مشروخة الأعضاء تكشف اهتمامها بالمسرح والعرائس . حياة نيكي مثل حكاية أسطورية تمثل نفسها أمام تنين ووحوش القدر والموت. قضت مبكرة ومشهورة أكثر من كلوديل عام 2002 مخلفة النصب النحتية كي تشهد على فنها مثل نصب السلحفاة في ايطاليا . وعلى رغم أنها مولودة في باريس عام 1930 فقد عاشت في نيويورك وبدأت تعرف منذ 1950 ولكن عودتها إلى باريس ارتبطت بزواجها وقصتها العاطفية الثانية مع النحات السويسري المقيم في باريس تانغلي. لعب دوراً ايجابياً في حياتها العاطفية والفنية وشاركت معه في تصميم المنحوتات المتحركة الساخرة في بحيرة استرافنسكي التابعة لمركز بومبيدو وتمثل قلب باريس المرح والساخر. بينهما تكامل مثير تجمعهما سخرية الحركة الميكانيكية الآلية في العرائس ولكنها سوداء لدى تانغلي(مثل ماكينة الخياطة القديمة ) وملونة مرحة لا تخلو من الخفة والبراءة لدى سان فال مثل القلب الأحمر المخضب الذي يدور حول نفسه إلى جانب نوافير المياه . من الملاحظ أن منحوتاتها مزركشة بألوان الفساتين والقبعات والألوان المبرقعة المتفجرة بصخب محب للحياة وتلامس حدود الزخرفة والتصميم (الديكوراتيف) بعكس نخبوية زوجها وثقافته «الدادائية». تعلق حفيدة سان فال على أعمال جدتها بأن سر قوتها هو أنها اختارت خطأ طريق الفن إشارة إلى تواضع ثقافتها وقوة الحدس والعفوية اللونية فيها . ما إن بدأت تستخدم الملصقات النحتية بتأثير زوجها حتى انضمت معه إلى جماعة «الواقعية الجديدة» التي أسسها في الستينات الناقد بيير ريستاني في باريس وذلك قبل أن يتم تبادل المعارض مع فناني البوب أرت في نيويورك. تعتبر اليوم سان فال ممثلة لهذا التوليف الباريسي- النيويوركي.