طبيعي أن يحتدم الصراع بين الحزب الوطني الحاكم في مصر وقوى المعارضة، لكنه من غير الطبيعي ولا حتى المفيد أن يتفجر الصراع بين أحزاب وقوى المعارضة المصرية بعضها البعض، وهي التي تعاني ضعفاً شديداً ولا تحتمل مزيداً من الضعف. صحيح أن زعماء هذه القوى يرسمون ابتسامات واسعة أمام الكاميرات لكنها لا تخفي ما داخل الصدور، والذي غالباً يترجم المصالح المتعارضة بين هذا الحزب وذاك أو هذه الجماعة وتلك. ستجرى انتخابات مجلس الشعب المصري (البرلمان) يوم 27 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. هذا خبر، إذ أنها المرة الأولى التي يعلن فيها موعد الاقتراع على مقاعد المجلس. كشفنا عن يوم الاقتراع فماذا عن الأجواء التي ستجرى فيها عملية الانتخاب؟ حتى مساء أمس تبدو قوى المعارضة المصرية منقسمة وغير متفقة، وربما تتسابق على الفوز بمقاعد المجلس، وهذا حقها، لكن تجد نفسها في مواقف متضاربة وليس بينها قواسم مشتركة إلا قليلاً، ومساحة الشقاق فيها أكبر بكثير من الاتفاق أو التعاون لمواجهة الحزب الوطني الحاكم. تكتسب تلك الانتخابات أهمية كبيرة ليس فقط لأنها ترسم ملامح الخريطة السياسية للمجتمع المصري خلال السنوات المقبلة، ولكن أيضاً لأنها ستؤثر بشكل كبير في تحديد اسم الرئيس المصري المقبل. إذ يتعين على كل حزب يرغب في خوض الانتخابات الرئاسية أن يكون له مقعد على الأقل في البرلمان. صحيح، وهذا ليس سراً، أن لا أمل لدى أي حزب معارض في مصر في الفوز بالمقعد الرئاسي وأن الواقع يقول أن التحركات والأنشطة التي يمارسها بعض المعارضين من الشخصيات العامة كالدكتور محمد البرادعي أو النائب حمدين صباحي أو الدكتور أيمن نور كلها تدخل ضمن إطار مضايقة نظام الحكم أكثر من السعي للفوز بمقعد الرئاسة أو منافسة مرشح الحزب الوطني الحاكم. هناك حالة الفوضى في بورصة الترشيحات المصرية وتأخر إعلان الحزب الحاكم موقفه من الانتخابات الرئاسية، لا يعني أن الحزب سيخوض معركة كبرى أو حتى صغرى من أجل المقعد الرئاسي بل إن المدهش أن الحزب سيسعى إلى خلق منافس أو منافسين لمرشحيه، حتى لا يبدو الأمر وكأن مرشح الحزب الوطني ينافس نفسه، لكن الحزب الوطني سيجد نفسه مضطراً لخوض معركة حقيقية قبل وأثناء انتخابات مجلس الشعب. فعلى المستوى الداخلي هناك مشاحنات وصراعات تدور بين المستويات التنظيمية المختلفة لتحديد مرشحيه في مختلف الدوائر، وعلى مستوى آخر سيجد الحزب أن عليه تفادي تجربة الانتخابات السابقة التي أسفرت عن فوزه بأقل من 30 في المئة من مقاعد البرلمان قبل أن يعوض تلك الهزيمة بإعادة أعضائه الذين خاضوا الانتخابات كمستقلين وفازوا وهزموا مرشحي الحزب إلى عضويته. مرة أخرى هي لعبة يمارسها الحزب الحاكم في كل انتخابات، الغريب أن أحزاب وقوى المعارضة المصرية تعرف كل ذلك، ومع ذلك تعجز عن وضع حدود لخلافاتها، وتتمكن من الوصول إلى اتفاق حول المشاركة أو مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة... ويبدو أن حزبي التجمع والوفد حسما أمرهما وقررا المشاركة مع جماعة «الإخوان المسلمين» مقابل حزب «الجبهة الديموقراطية» الذي أعلن المقاطعة، والحزب الناصري الذي يفكر في المقاطعة، أما باقي الأحزاب الأخرى فحسب المكسب والخسارة من جراء المشاركة أو المقاطعة دون أن تكون مؤثرة أصلا، سواء شاركت أو قاطعت.