بات من المسلّمات أن إيران استعذبت ما تصفه ب «الردع النفسي»، عبر احتواء التهديدات الإسرائيلية بضرب منشآتها النووية بتهديدات مضادة، تكاد ان تكون يومية. وستسعِد الإيرانيين بالطبع، خيبة الأمل لدى السفير الأميركي السابق في الأممالمتحدة، جون بولتون من إهدار إسرائيل «فرصة» قصف مفاعل بوشهر النووي الإيراني، الذي سيُدشن بعد غد. أما السؤال «التقليدي»: حرب أم لا حرب، فلعله لا يجد جواباً شافياً في التحريض الأميركي – الإسرائيلي المتبادل الذي يشي خصوصاً برغبة كلٍ من إدارة باراك أوباما وحكومة بنيامين نتانياهو في أن يكون الطرف الآخر هو مَن يطلق أول صاروخ على المنشآت الإيرانية، و «لا يهم» بعدها الى أي مدى يتسع القتال، ولو حارب الطرفان على جبهة واحدة... بالأحرى ولو تحوّلت الضربة الى حرب إقليمية نووية. كان من المرات النادرة في حديث التلفزيون الإسرائيلي قبل أيام عن تدريبات مشتركة مع «المارينز» في النقب، اعترافه بسيناريو القتال «جنباً الى جنب ضد عدو مشترك» إذا حتّمت ذلك «تقلبات الشرق الأوسط». ولا تبدي الدولة العبرية قلقاً وهي تعدّ العدّة لمثل هذا الاحتمال، إذ تتكئ على ما راكمه الجيشان من خبرة في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان، فيما «الردع» الإيراني يهدد بشل القواعد العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان. في لعبة الأثمان المتبادلة، قد يجادل الأميركيون بأن التهديد الإيراني ذاته ما هو إلا اعتراف علني بقدرة طهران على تجنيد «عملاء» أو حلفاء أو كليهما معاً، لقصف تلك القواعد، لأن الضربات الصاروخية وحدها لن تكون كافية لتحيّد طهران «خزّان الاحتياط» العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان. وأما التلويح الإيراني المتجدد بشل مضيق هرمز، وحركة الملاحة الدولية عبره، بالتالي شريان النفط العالمي، فهو إذ تستسيغه قيادة «الحرس الثوري»، للضغط على الغرب والدول الخليجية (لتتمسك بمعارضتها الحرب)، لا يمكن إلا ان يستتبع مرة أخرى، حسابات قدرة هذا «الحرس» المدجج بغواصاته المصغّرة على مواجهة أساطيل الحلف الأطلسي. فالأكيد ان إغلاق هرمز سيُعتبر عملاً حربياً بامتياز، كما سيسقط مبررات «حياد» دول كثيرة إزاء مشكلة البرنامج النووي الإيراني. تدشين «بوشهر»، الخطوة المستجدة في مسلسل أزمة هذا البرنامج، يثير مجدداً السؤال عما اذا كانت الإدارة الأميركية تثق بوعود حكومة نتانياهو المتعلقة ب «ضبط النفس»، وعدم «الانجرار» الى ضربة عسكرية من دون معرفة واشنطن. وإذا كانت المفارقة خلال الأيام الأخيرة تتجلى في مغزى التحريض المتبادل بين الجانبين، لعدم التساهل مع «الخيار صفر» الإيراني في تحدي العقوبات، فالمصادر العسكرية الإسرائيلية التي اختيرت ل «تسريب» توجهات لدى الدولة العبرية، لا تخفي تفاؤلاً ب «فرصة» الانسحاب الأميركي من العراق، الذي تراه عاملاً مساعداً لتركيز واشنطن الجهد على «الخطر الإيراني». ولكن، ألن تسارع إيران الى ملء الفراغ في العراق بعد الانسحاب، بالحلفاء والعملاء؟ أو يمكن قيادة الجيش الإسرائيلي ومعها «المارينز» المتدرب في النقب، تجاهل تعاظم الأوراق الإيرانية بملء ذاك الفراغ، وتحويل كل بلاد الرافدين الى خط ثالث للدفاع عن مقايضة (بين «النووي» والنفوذ الإقليمي) بعد خطي لبنان وغزة؟ تُكثِر قيادة الجيش الإسرائيلي منذ شهور الحديث عن عدم إهدار الوقت في مواجهة مناورات طهران... بالعضلات الإعلامية. لذلك تتباهى بالمنظومات الدفاعية التي ستجعل «القبة الحديد» و «مقلاع داود» و «عصا الساحر» كافية في مواجهة فضاء يمطر صواريخ من قواعد ل «حزب الله» و «حماس» والمنصات البعيدة للجيش الإيراني. ولأن الدفاع يفترض إقدام الطرف الآخر على الاعتداء، وهو في هذه الحال رد للثأر، ترجح مجدداً كفة مباغتة إسرائيلية. ... وراء ضجيج التهديدات، يتوارى موعد حرب محتملة، وإن كان بعضهم في المنطقة مازال يستبعدها إذا نضجت ظروف «الصفقة الكبرى»... فيما الأميركي يراهن على «عصا ساحره»، أي مفاعيل العقوبات المؤلمة، وهذه لن تنكشف أعراضها قبل شهور.