بثت شبكة «السحاب» الذراع الإعلامي ل«القاعدة» يوم الأحد الموافق 15 آب (اغسطس) الجاري، تسجيلا صوتياً للرجل الثاني في التنظيم الدكتور أيمن الظواهري «رسالة إلى الشعب التركي المسلم» في الثالث من رمضان تحمل تعزيته وتعزية تنظيمه لأقارب ضحايا أسطول الحرية الأتراك خاصة، وللشعب التركي عامة، كما يقول الظواهري في بدايتها، وهي الرسالة التي تتأخر عن مناسبة التعزية ما لا يقل عن شهرين من تاريخ تسجيل السحاب لها ( شعبان سنة 1431 هجرية) ويكاد يقترب من الثلاثة أشهر من تاريخ بثها، حيث كانت مأساة أسطول الحرية في الخامس والعشرين من ايار (مايو) الماضي، وجمعاً بين تأخر البث والصدور، وبين شكل المادة المبثوثة التي تختلف في نوعيتها ومساحتها عن أغلب مواد «السحاب» التي سبق بثها للظواهري قبل عملية خميس البلوي مطلع هذا العام، التي أكدت اقتراب الأجهزة الاستخباراتية من الظواهري بشكل كبير، ولجوءه الى أماكن أكثر ابتعاداً وأصعب اتصالا مع أذرعه الإعلامية والعملياتية. في الرسالة نلاحظ أن الظواهري اتخذ مأساة أسطول الحرية التي راح ضحيتها ما لا يقل عن تسعة عشر قتيلا وأكثر من خمسة وعشرين جريحاً، مطية ليهاجم الحكومة التركية التي يقودها أردوغان، وليشكك في شرعية العمل الإغاثي التي قامت به، وليتجاهل في الحقيقة مأساة غزة لمصلحة مأساة أفغانستان أو أزمة تنظيمه فيها، لتظل فلسطين هامشاً في فكر «القاعدة». وعلى رغم طول الرسالة الصوتية النسبي ( 20 دقيقة) إلا أن الظواهري ملأها شعراً رغبة في إلهاب حماسة مستمعيه الأتراك!، فتلا أكثر من قصيدة لأحمد شوقي في الخلافة العثمانية، مما قاله بعد أن تراجع عن مدح مصطفى كمال أتاتورك بقصيدة مشهورة وصفه فيها قائلا: « يا خالد الترك جدد خالد العرب» أثناء صموده ضد الحلفاء وتحريره تركيا بعد أن ضعفت الخلافة العثمانية إلى الحد الذي لم تستطع فيه أن تحمي حدودها، فضلا عن حماية ولاياتها وأوليائها في العالم الإسلامي قبل ذلك، فقد احتل الإنكليز مصر قبل سقوطها بعقود عام 1882 وقبلها احتلت الجزائر عام 1839، كما سقطت إمبراطورية المغول المسلمة في الهند نهائيا عام 1857، وقبلها الأندلس وغرناطة، والسلطنة التي يطالب الظواهري في رسالته للشعب التركي باستعادة أمجادها، كانت في أوج قوتها ومجدها من دون أن تسجيب لنداءات المستغيثين ورسائلهم المقبلة من هناك، كما لم يستجب لها السلطان المملوكي حينئذ الأشرف قايتباي والعثماني بايزيد الثاني، وهو ما تتجاهله أو تجهله النظرة الأحادية للظواهري الذي أراد الخطابة والشعر غيمات له كما هي تورا بورا مغارات. انطلق الظواهري من حادث أسطول الحرية الإغاثي لينفي شرعية العمل الإغاثي نفسه، انطلق من محاولة إنقاذ غزة لينتهي إلى إنقاذ أفغانستان حيث يقيم، فقد بدأ رسالته بأن هذا الحادث يكشف عن طبيعة الصراع مع إسرائيل، وأنه صراع لا تحله الشحنات الإغاثية ولا بعض المظاهرات ولكنه يرى حله في مطالبة الشعب التركي لحكومته التركية بقطع علاقتها مع إسرائيل، وقبل ذلك بالولاياتالمتحدة وحربها في أفغانستان، مذكراً بقيادتها السابقة لحلف الناتو في أفغانستان، وأنها الآن - تركيا العلمانية - تقود الحملة الصليبية على الإسلام المعروفة باسم الحرب على الإرهاب، مستدعياً الصورة المتخيلة لتركيا العثمانية التي كانت تدافع عن الإسلام و المسلمين في ما سبق! وعودا لهذا الدور التاريخي المتصور يدعو الظواهري الشعب التركي لاستبدال الجيوش الجرارة بشحنات الإغاثة، ولكن يدعوه للضغط من أجل فك الارتباط بالولاياتالمتحدة في أفغانستان، ومساعدتها المعروفة في الحرب، حيث سلمت بعض قادتها مثل عبد الهادي العراقي إلى الولاياتالمتحدة التي أرسلته لغواتنامو، ونظراً لأن أفغانستان هي الموضوع والقضية عند الظواهري وليس غزة، يتساءل في رسالته: «ماذا جنى الأفغان حتى يشنوا عليهم الحرب، وأي أذى وجهه الأفغان لتركيا والاتراك! « ويناشد الشعب التركي أن يتصدى لجرائم حكومته في أفغانستان بحق إخوة الإسلام وبحق الحب للخلافة التي تجمعهم به!» وتكراراً لموقف العداء القاعدي لنظام أردوغان الذي سبق أن ذكره أسامه بن لادن والظواهري مرات عدة، ووصفه الأول بالخيانة وبأنه أبو رغال معاصر شأن الحكام المعاصرين، وصفته جماعة « جند أنصار الإسلام» وزعيمها المقتول أبو النور المقدسي بالردة حين أعلن إمارة غزة في مواجهة إمارة «حماس» في آب 2009، انه عداء متأصل في فكر «القاعدة» لكل حركات الإسلام السياسي وبالخصوص حزب العدالة والتنمية، ويؤكد أنه لم يقدم لفلسطين ومأساتها سوى الكلمات أما الحقائق فهي استمرار ارتباطه بمصالح تجارية وشراكات عسكرية مع الكيان الصهيوني. ولأن القضية أفغانستان في رسالته للشعب التركي وليست قضية غزة أو أسطول الحرية يغازل الظواهري في خطابيته المعهودة من يخاطبهم بأن إخوانهم المجاهدين في أفغانستان يقفون مع إخوانهم المسلمين في قبرص وغيرها من بلاد المسلمين (وقبرص لها رنين خاص عند الأتراك يعرفه الرجل المداور). وفي الختام يدعو الظواهري الشعب التركي لاستعادة أمجاد محمد الفاتح لكنه لم يفصح عن تصور «القاعدة» لهذا الخليفة الفاتح، فقد رأى أحد منظريها السعوديين، وهو أبو جندل الأزدي، أنه ليس المقصود من حديث النبي «يفتحها الأمير الفاتح» وأنه كان مات ريدياً وحنفياً متهماً في عقيدته، هلا دافع الظواهري عن محمد الفاتح ضد فارس آل شويل المعروف بأبي جندل الأزدي. * كاتب مصري