حدثَ قبل سنوات، أنّ دعا المخرج نجدة أنزور إلى «سحب البساط» من شهر رمضان، فلا يكونُ الموسمَ السنويَّ الوحيدَ لعرضِ جديدِ المسلسلاتِ العربيةِ في الفضائيات. لم يُقيّض لهذه الدعوة أن يَستقبلها أحدٌ بالانتباهِ اللازم، وإن كرّرها كثر، وإن استمرّت الشكوى السنويّة من التخمة الموسميّة التي يتزايدُ كل عام في أثنائِها عددُ المسلسلات الجديدة. ولقائلٍ أن يقولَ إن الفضائياتِ كثيرةٌ، وعددُ ساعاتِ البثّ فيها يستوعبُ كلّ هذه الأعمال، ولو في شهر واحد، وأن السوق تحتمل، والمسألة في النهاية مسألةُ سوقٍ موسميٍّ يطرحُ المنتجون فيه جديدَ بضاعتهم، ويستنفرُ المعلنون في أثنائِه لتكونَ لهم مساحاتُهم الزمنيّةُ فيه. ويرتضي المخرجون والنجومُ هذا الأمر، ومن يشكو من هذا الحال هذا شأنُه. وإذا قيل أنه يمكن التفكيرُ بموسمٍ سنويٍّ آخر قد يكون مناسباً لطرحِ جديد المسلسلات العربية، فإن أحداً من المنتجين لا يمكنُه أن يغامرَ بأن يجرّبَ ذلك ويختبرَ نجاحاً قد يصيرُ أو لا يصير، ويبتدعَ موسماً وحده يلتحقُ به المعلنون. إنّها الحكاية ذاتها، والشكوى ذاتها من الازدحام المهول الذي يتناطحُ فيه أكثرُ من 140 عملاً درامياً، مصرياً وسورياً وخليجياً، في شهر رمضان. وإذ من البديهيّ أن تتباينَ مستوياتُ هذه الأعمال فنياً وإخراجياً، وأنْ تتباينَ على صعيد إِحداثِ البهجة والجاذبيّة والمتعة، فإن فرصَ التقويم الموضوعيّة من الجمهور والنقاد لكل هذه الأعمال تكادُ أن تكونُ معدومة، بالنظر أولاً وقبل كل شيء إلى أنّ لدى الناس ما يفعلونَه في رمضان غيرُ الانقطاع لمشاهدة التلفزيون، وغيرُ توزيع أوقاتهم على الفضائيات المتنوعة ليتمكنوا من متابعة عددٍ جيّدٍ من مسلسلاتٍ جيدةٍ من بين كل ذلك العدد المهول. وثانياً، ثمّة أعمالٌ تستحق الانتباه إليها، لما فيها من جهدٍ طيّبٍ في المعالجةِ والإخراجِ وغيرِهما، لكنّ حظوظَ عرضها في فضائياتٍ غيرِ نشطةٍ في الدعاية والإعلان، تُضعف فرصَ مشاهدتها، أو أقله الاهتمام إليها. والتشويشُ كثيرٌ في خريطة البث وإعادات البثّ لمسلسلاتٍ كثيرةٍ، ما يجعل خريطة المشاهدة أيضاً مشتتةً وصعبةَ الضبط. تحدثُ التخمة السنويُّة المعتادة، ومعها تخمة موازية في برامجِ التسلية والترفيه السريعة ومحاورات النجوم، من دون أن تستوقفَ اختصاصيين في شؤون الإعلام التلفزيوني، على سويّة علميّة ومنهجيّة وتحليليّة، فينجزَ بعضُهم دراساتٍ مسحيّة استقصائيّة، تقع ما أمكن على أمزجة الجمهور العربي المتنوع، وعادات المشاهدة لديه وتحولاتها، وتقفُ على الأسبابِ التي تجعلُ الانجذابَ إلى مسلسلٍ دون غيرِه في موسمٍ معيّن كبيراً، إن كانت أسباباً تعودُ إلى خصائصَ متحققة في هذا المسلسل، أم الى نجاحِ حملةٍ دعائيةٍ وإعلانيةٍ تُواكبه، أم أنّ الأمر يتعلق بنجوميّة هذا الممثل أو ذاك. إن جهداً بحثياً ينشغل بمثل هذه المسألة وغيرها، قد يُيسر قاعدةً معرفيّةً لصُنّاع الدراما ومُنتجيها، وكذا للمعلنين ربما، قد تفيدُهم في حسمِ خياراتٍ جماهيريّةٍ بشأن إنتاجِ الرائجِ والناجِح، وربما أيضاً يكونُ لها نفعُها في محاولةِ إيجادِ موسمٍ سنويٍ آخر، بجانبِ الموسم الرمضاني، فيخفّ الازدحامُ المشكوُّ منه، والمرهِق. لتكن الدراساتُ الاستطلاعيّة والمسحيّةُ العلميةُ أرضية يُهتدى بها، ولتُجرّب إعدادها الفضائياتُ نفسُها، وقد صار بعض هذه الفضائيات يُغري المشاهد بالتحوّل إلى شاشاته لمشاهدة مسلسلاتٍ من دون انقطاعاتٍ إعلانيّة، ما يؤشر إلى أنّ ثمّة جدوى في اختبار الحقيقة المنسيّة، وهي أن فيضَ الإعلانات الوفيرة في أثناء عرض المسلسلات، الرائجة وغيرِها، قد لا يؤدّي إلى النتائجِ المتوخاة، ولا يصلُ إلى جمهورِه المستهدف.