بعد الغياب الطويل لبرنامج على «مائدة الإفطار»، كان من الضروري إيجاد برنامج على الوزن ذاته، يقدم النصح للناس، ويحضهم على الفضيلة، فالحمد لله الذي سخر لنا برنامج «شوربة وخل»، ليقدم هذه النصائح، وإن كانت في قالب اجتماعي، لكن شتان بين الشيخ علي الطنطاوي يرحمه الله، وبين المصلح الاجتماعي لورنس، فبينما كان الطنطاوي ينطلق من تجارب وعلم ومعرفة، فإن نظيره ينطلق من غرف «البال توك» التي كان يردح فيها، ودعوني أقول إنه لو أتيح البقاء للمصلح لورنس موسمين آخرين، لتحول الى داعية، ولوجدناه مفتياً، قد ينطلق مجدداً من «البال توك»، وقد يجد له فرصة ذهبية ليخرج على الشاشة الصغيرة، ليطل في ثوب جديد. أقول كان من الممكن، لأنه للأسف، لدينا فريقان؛ فريق يجتهد ويبحث ليضع علمه ومعرفته أمام الجميع، وفريق يسخر ويشتم ويغربل، وأيضاً يجد له فرصة، ليظهر للعلن، كناصح ومصلح وداعية، لكن اليوم لم تعد هناك فرصة أمام المتسلقين والانتهازيين ليتفوهوا بما يجول في خاطرهم من دون أدنى مسؤولية، ومن دون مراعاة لدينهم ومجتمعهم، إذ صدر القرار الذي طالما انتظرناه ودعونا له، والمتعلق بضبط الفتوى، وعلى رغم أننا كنا نأمل أن تقوم جهات الاختصاص بدورها من دون انتظار التوجيه، فهو من صميم عملها، بيد أنه لم يحدث شيء، إلى أن تدخل خادم الحرمين كعادته في معظم القضايا التي تهم أمر أبنائه ومواطنيه، ليضع حداً للفلتان الذي أضحك علينا القاصي والداني. البيان الذي يتبنى إعادة الأمور الى نصابها، خرج برسائل متعددة، كان في مقدمها الأمن الذي تناوله في غير موضع، وهو أمر يشغل بال الدولة بأطيافها كافة، وبالتالي جميعنا يتذكر توظيفها من عناصر متطرفة، لخدمة مصالحهم وأفكارهم التي تقتات من أنظمة ودول، توجهاتها بطبيعة الحال لا تتوافق مع الرؤى الشرعية. وبخلاف ذلك، تحدث البيان عن صورة البلاد وشعبها أمام المجتمعات الأخرى، وضرورة الحفاظ عليها، وهذه لا يختلف عليها اثنان، بأن قضية الفتاوى التي كانت تخرج لتتصدر وسائل الإعلام العالمية، أساءت للمؤسسة الدينية، للمواطن السعودي، سواء كان سائحاً أو رجل أعمال أو مثقفاً أو إعلامياً، وأساء للبلد برمتها، الذي ينظر له العالم الخارجي على انه منبع الإسلام وبلد الحرمين الشريفين، إذ غالباً ما كانت الأسئلة تدور في أفق تلك الفتاوى الشاذة، والحديث عنها باستغراب، واستنكار بعضها. وإذا كانت الفتاوى مأساة، فالأكثر مأسوية، كان هو الاتجار بها، إذ قام البعض بتوظيف الفتوى والمفتين الصاعدين الذين يبحثون عن الأضواء والشهرة، والمنساقين خلف أهوائهم لخدمة تجارتهم من خلال الفضائيات، ولعل توقيت القرار هو في حد ذاته ضربة لكل من يسعى للعبث في الدين الإسلامي، أو في سمعة المؤسسة الدينية أو البلد ككل. لذا دعوني أهنئكم ونفسي بوقف فتاوى «التيك أواي» وقطع الطريق أمام المتسلقين والطفيليين، الذين أشبعونا «شداً وجذباً»، وملأوا الدنيا، خلال السنوات الماضية، بفتاوى، ما أنزل الله بها من سلطان. لكن على رغم أهمية القرار، هناك ما يجب الالتفات له، فخادم الحرمين وجه نسخة من القرار إلى الجهات ذات الاختصاص لضمان تطبيقه، ولم يقتصر القرار على المنع، بل أتاح الفرصة لمن توجد فيه الكفاءة من تمكينه من الافتاء، وبطبيعة الحال، يدلل ذلك على الفكر الإصلاحي، الذي يتبناه القرار، الذي أرى أنه في حاجة إلى متابعة حثيثة لتطبيقه بحذافيره، ولنكن أكثر صراحة وموضوعية، ونعترف بأنه، للأسف، أصبح لدينا سوق رائجة للفتيا، وبالتالي ضبط هذه السوق، على قدر صعوبته، يكون سهلاً، إذا نشطت هيئة كبار العلماء، وتمكنت من السيطرة على هذا الفكر، ولعل أبرز ما يمكن أن يدعمها في هذا الشأن، هو إيجاد فتاوى متسامحة، تستقطب الراغبين في الاستفتاء، لا فتاوى تتطابق مع رغبات السائلين لا سيما المتشددين منهم والموتورين الذين يوجهون أسئلة مبطنة، متجاهلة مبادئ وثوابت شرعية، وهذا بحد ذاته إذا ما طبق، فإنه، بلا شك، سيغني الذين أدمنوا الذهاب الى أصحاب فتاوى «التيك واي» عن ارتكاب هذا الخطأ، وستعيدهم إلى جادة الصواب، أو بعضهم على الأقل. [email protected]