هو أمر يبدو عادة من الأمور البديهية والطبيعية بحيث قد يكون من غير الضروري الإشارة إليه أو التذكير به. ولكن، لأن ما هو طبيعي وبديهي في كل مكان وزمان، يبدو في عالمنا وإعلامنا العربيين غريباً، وأحياناً استثنائياً، قد تكون العودة اليه ضرورية في كل مرة تبدو الفرصة سانحة لذلك. ما نتحدث عنه هو البرمجة التلفزيونية لبرامج تتماشى، ترويجياً على الأقل، مع ما يكون في زمن محدد، مطروحاً في الساحة العامة. فمثلاً رحيل مخرج سينمائي ما، سيكون مناسبة مثلى لعرض أفلامه تلفزيونياً، إن لم يكن في الصالات... وذكرى عمل فني ما، يحتفل بها العالم، أو في شكل محلي، ستكون مناسبة لعرض ما يتعلق بهذا العمل. أما الصخب الذي يدور من حول تظاهرة كبرى - كمهرجان سينمائي على سبيل المثال - فإنه يشكل خير مروّج لعرض أفلام سينمائية، تمتّ الى هذا المهرجان، أو تلك التظاهرة بصلة. والسبب أوضح من أن نذكره، ومع هذا نشير إليه: فعرض فيلم ما، من الأفلام المرتبطة بالمهرجان ولو في دوراته السابقة، يمكن أن يعتبر خير تكريم للمهرجان وللسينما في شكل عام - ونحن هنا نستعمل السينما كمثال حي وراهن، إذ بدأ مهرجان «كان» فعالياته -، ثم إن الضجة الإعلامية من حول التظاهرة وفن السينما في شكل عام، تعتبر خير مروّج لما قد يعرض. أضف الى ذلك أن وسط الصحراء الفنية العارمة التي تعيشها تلفزيوناتنا العربية، يمكن مثل هذه العروض أن تشكل حلاً ما، ناهيك بما لعرض فيلم سينمائي والحديث عنه من تأثير إيجابي في الجمهور، عدا عن جانبه الترفيهي. الأكيد أن هذه الفكرة - البديهية بعد كل شيء - ستخطر في بال المرء إن هو تصفح برامج الاسبوعين المقبلين على شتى شاشات التلفزة الفرنسية، بل حتى التلفزة الأوروبية في شكل عام، ليلاحظ الحضور الاستثنائي للعروض والبرامج السينمائية، وصولاً الى بث عدد كبير من الأفلام - على عدد كبير من الشاشات - كانت قد حققت في السنوات الماضية جوائز كبرى في «كان» وفي غير «كان». كاتب هذه السطور أحصى نحو أربعين فيلماً، من بينها أفلام فازت أو فاز ممثلوها بجوائز كبرى (من بينها «السعفة الذهبية» في «كان»، و «الدب الذهبي» في برلين، و «الأسد الذهبي» في البندقية)، ما يجعل عرضها حدثاً في حد ذاته. وهذا الإحصاء شمل فقط، الاسبوع الأول من أيام «كان» الذي بدأ فعالياته للتو. في المقابل، هل يمكن أحداً أن يقول لنا كم فيلماً مهماً تعرضها التلفزة العربية، ليس لمناسبة «كان» أو «البندقية» أو «برلين»، بل - وهذا أضعف الإيمان - لمناسبة مهرجانات «القاهرة» أو «دمشق» أو «دبي» أو «أبو ظبي» أو حتى قرطاج ومراكش؟ هل علينا أن نذكّر دائماً بأن خير ما نقدمه للناس هو الثقافة، وخير ما نقدمه للثقافة هو تحويلها حدثاً؟