اعتبر الكثيرون ممن اطلعوا على الأمر الملكي الصادر أمس من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، محاولة جادة لإعادة وضع الفتاوى في مكانها الصحيح، وتقنينها، بعد أن شهدت نوعاً من الفوضى، أسهم فيه من لقبوا بمفتي الفضائيات، والمحتسبين عبر الأثير، وساعدوا على تحويلها بما تحظى به من قدسية ومكانة لدى المسلمين إلى بضاعة يتاجرون بها لأهواء اقتصادية وسياسية، على رغم أن بعضهم من بينهم أشخاص يفتقدون إلى أبسط مقومات الفتيا والعلم الشرعي. ويأتي هذا الأمر بعد سلسلة من الفتاوى الصادرة خلال الأعوام الماضية، والتي عُدت مُسيئة للدين الإسلامي، ومخالفة للمشهور من آراء العلماء الأجلاء عبر العصور، وكادت تشوه صورة الإسلام ونقاءه، وتحدث خللاً أمنياً واجتماعياً، يسيء إلى هذا البلد، ويلغي دور المؤسسات الدينية الرسمية، ويحول منبر الجمعة من الدور المرسوم له، إلى أخرى مشبوهة، تثير الفوضى الاجتماعية، بتناول مواضيع ليس مكانها منبر صلاة الجمعة، وهو ما دفع خادم الحرمين إلى المبادرة بإصدار أمره أمس، الذي نص على: «رصدنا تجاوزات لا يمكن أن نسمح بها، ومن واجبنا الشرعي الوقوف إزائها بقوة وحزم، لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، وتحذير المتلاعبين بالفتوى بلغة واضحة وحاسمة فكل من يتجاوز هذا الترتيب سيعرض نفسه للمحاسبة والجزاء الشرعي الرادع، كائناً من كان». ويهدف الأمر الملكي إلى السيطرة على البيانات المنفلتة، التي يصدرها جمع من طلبة العلوم الشرعية والأكاديميين والمسؤولين السابقين والحاليين، وعلى رغم إقرار خادم الحرمين الشريفين بوجود تباين في أقوال أهل العلم، بيد أنه أشار إلى أن هذا التباين «يتعين أن يكون في نطاق هيئاتهم ومجامعهم العلمية والفقهية، ولا يخرج للناس ما يفتنهم في دينهم، ويشككهم في علمائهم، فالنفوس ضعيفة، والمغرض يترقب، وفي هذا من الخطورة ما ندرك أبعاده، وأثره السيئ على المدى القريب والبعيد على ديننا ومجتمعنا وأمننا، محذراً من التجاوزات وما يحصل من البعض من اجتهادات فردية، يتخطى بها اختصاص أجهزة الدولة، لاسيما ما يتعلق بالدعوة والإرشاد، وقضايا الاحتساب. ويكاد الأمر الملكي أن يحدد المتلاعبين بالفتوى بالاسم، وإن خلا من الأسماء لكنه حدد مواصفاتهم في شكل دقيق، فهم كل من حمل آلة تساعد على طلب العلم، ولا تؤهل لاقتحام هذا المركب الصعب، فضلاً عن الذي لا يملك آلةً ولا فهماً، ليجادل في دين الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، وإنما هو التطفل على مائدة الشرع، والعجلة في ميدان تحفّه المخاطر والمهالك من كل وجه.